لُجة الأيقونات
منطق الطير: “الابتسامة تذيب الجليد وتنشر الارتياح وتبلسم الجراح: إنها مفتاح العلاقات الإنسانية الصافية” –
فولتير
نتحرى حضور الشتاء بحرص الحريص، نعد الأيام والشهور، وننتظر مواسمه وما يتعلق به من تنبؤات وتقلبات جوية، وما يرافقها من طقوس وعادات، فتُرانا نُسارع في لملمة الأثواب الشتوية، وحياكة الملابس القطنية، وصيانة المواقد الكلاسيكية والمدافئ العصرية، وغلق النوافذ وإحكام الأبواب…، نحرص على التدثر بالنار ليلاً بما يقي اللسعات القارصات، ونتزمل الشمس نهارًا كي تسري أشعتها بين الدم والعظم؛ كل ذلك بحثًا عن الدفء وسعيًا لمواجهة لفحات البرد.
ننتظر هطول الغيث كل مساءِ كي يُبعث في الأرض الدفء والخضرة، فنعتبر تلك الغيوم الداكنة السوداء السابقة لنزوله بشارة السماء، ونتشوق لانقشاع الضباب لعودة رؤية بريق الأشياء ووهجها بعد تجربة ماتعة أشبه بلعبة (الغميضة) الطفولية، ونصبر على ذلك (الزمهرير) وكلنا يقين بأنه كلما اشتد إيلامه كان إيذانًا بقرب انجلاء الصقيع وعودة الربيع، ونُطرب لصوت الريح وهي تصُك الأشياء مؤنسةً سكون الليل، العاقل من يحاول أن يعيش متعة ذلك الفصل بعاداته وطقوسه.
هكذا نتعامل مع برودة الجو التي تتحرش بالجسد، لكننا في المقابل بتنا نتعايش مع صقيع المشاعر وبرودة الأحاسيس!! بكل بلاهة وصفاقة، لا نأبه للبرد الناخر أرواحنا بعد أن أسرْنا أنفسنا في بوتقات ضيقة، وألبسناها لبوس الانعزال، وأرقنا دمها على عتبة الكبر والتعالي، نحجب عنها دفء الصداقات وحميمية الصحبة، ونسقيها بالمجاملة والنفاق!!، حتى غدت أرواحنا غير الأرواح التي نعرفها، والتي كبرت معنا، تتصرف في تصنع مبالغ!!، متجنبةً العفوية التي تُجملها، والصدق الذي يُحبِبُها.
إن تعليق ذلك البرود على شماعة الوسائط الذكية وشبكات التواصل الحديثة وتبدل الزمن!! جناية على اجتماعية الإنسان وميوله الفطري نحو الألفة والاجتماع، وجريمة في حق العقل وسلطة الاختيار، فالزمن كمفهوم سلوكي لا يتغير إلا بتغير ما بدواخلنا، والوسائط ما هي إلاَّ وسائل طُوعت في يد الإنسان فإن شاء وظفها لصلة الرحم أو قطيعته، للتواصل الباني أو للتصادم المدمر؛ فالمتأمل في سيرورة الحياة وصيرورتها لا شك أنه سيلمس أن فرص الدفء الإنساني تعادل كم الجليد أو تفوقه.
خبر الهدهد: تربية الإعلام وإعلام التربية!!
د. عبدالحق هقي
جميلة هذه المتعارضة أو وجه الشبه بين برودة الطقس وجمود الأحاسيس والمشاعر،فتغيّر المناخ إلى ثلوج وصقيع هو تحوّل موسمي ، سرعان ما تنصرم أيامه، بمزاحمة فصل آخر…لكن تجمّد المشاعر الإنسانية يكثر وتزيد وتيرته بمدى ارتباط الإنسان بهذا اليباس العاطفي…
دام فيضك أستاذ