يُقال في المثل الغربي أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، ولعلي أن أُعيد صياغته ليصبح “الإبداع يكمن في التفاصيل” ليتوافق وهذا المقال.
تشرفت يوم الخميس ٢٩ ديسمبر ٢٠١٦ بزيارة مستشفى ٥٧ الشهير بقاهرة المعز. هذه المستشفى إثبات قاطع لبركة النية الصالحة؛ وإمكانية صنع المعجزات .. وإليكم – سادتي وسيداتي – التفاصيل:
بداية، كان ابتداء هذا المشروع المبارك بتوجه أحد الأطباء الصالحين لفضيلة الإمام الشعراوي – رحمه الله – مشتكيًّا نقص الأدوات والعلاجات الطبية في المشفى التي كان يعمل بها. فما كان من الشيخ – رحمه الله – إلا أن أخرج مئة جنيه مع وعده بمثلها كل شهر مساهمة منه في توفير ما يمكن توفيره. كان في ذلك اللقاء عدد من رجال الأعمال الذين أرادوا المساهمة في الخير، فكانت تلك النية والمئة جنيه نواة هذا الصرح العملاق.
من المفارقات العجيبة أن المستشفى تقع في حي شعبي عشوائي يُؤسف لحاله في حين أن المستشفى تُحفة في كل شيء، والسبب أن أرض المستشفى كانت تبرعًا من أحد الخيرين – جزاه الله خير الجزاء – لموقعها الذي يتوسط القاهرة. ولعل وجود المستشفى يكون سببًا لتطوير وتنظيم المنطقة.
يستشعر الزائر للمستشفى بمجرد دخوله إلى حرمها أن جمال التصاميم وفرادته له أسباب وأهداف منها تغيير مفهوم المستشفيات من كونها مبانٍ مصمطة رتيبة تبعث في النفس الضيق والملل، لمبانٍ مستدامة جميلة تشرح النفس وتبهجها، إذ إن كمية الإضاءة الداخلة للمباني – مثلاً -استثنائية مع إبداع هندسي يسمح بدخول الضوء دون الحرارة وهذا منحى واحد من المناحي العمرانية المختصة بالمبنى.
أيضًا مما يلاحظ كون الممرات متموجة لا مستقيمة بهدف تلافي الاصطدامات في حال وجود طارئ يستدعي الإخلاء.
كل قسم “عنبر” مصمم يشكل دائري؛ ليتسنى لطاقم التمريض متابعة كُلِّ المرضى في نفس الوقت دون إغفال أحد. كما توجد غرفة للألعاب بها ألعاب إلكترونية ومهارية بالإضافة لغرفة تدريس حتى لا ينقطع المرضى من الأطفال عن دروسهم.
يُلاحظ الزائر أنه لا يكاد يخلو ممر أو غرفة أو حتى جهاز إلا وعليه لوحة تبين اسم المتبرع، فالمستشفى قائمة على تبرعات المحسنين من سائر الأقطار ومما يُفخر به أن للسعوديين نصيب غير قليل من هذه الصدقة الجارية المباركة.
لاهتمام القائمين بالمستشفى على صحة المرضى، فقد روعي في تنفيذ المباني استخدام مواد تمنع نمو البكتيريا والفيروسات حماية للمرضى، وحاليًّا أصبحت أزياء المرضى والأطباء وطاقم التمريض بنفس هذه المواصفات. وهذا مثال آخر للاهتمام بالتفاصيل ومراعاة الجودة والتميز.
مميزات المستشفى وإبداعاته لا تكاد تنتهي لكن ما يُهم أنه صرح جبار متميز قلَّ نظيره في العالم العربي بل على مستوى العالم. المؤسف أن طاقة المستشفى الاستيعابية حاليًّا ثلاثمائة سرير فقط لكن المبشر أن هناك مشروع توسعة بسعة ثلاثمائة سرير أخرى في نفس المنطقة، بالإضافة لفروع في مختلف محافظات مصر؛ لذا فالمؤمل من أهل الفضل المساهمة في هذا المشروع ففيه إحياء الأنفس ورعاية المرضى وجبر القلوب. ومن أحب الاستزادة عن هذا المشروع المبارك فله زيارة موقعهم الإلكتروني ففيه تفاصيل كثيرة مبهرة تَسُر وتُبهج وتسمح بالتبرع بعدة طرق.
https://www.57357.org
ختامًا .. اللهم يا من وفقت أهل الخير للخير وأعنتهم عليه، وفقنا يا مولانا للخير وأعِنّا عليه.