المقالات

بين زمط ومزط في الجذور

 جاء في لسان العرب ، مادة (ز ر د) :

زَرِدَ الشيءَ واللقمة، بالكسر، زَرَداً وزَرَده وازدَرَده زَرْداً: ابتلعه. وقال أَبو عبيد: سَرَطْتُ الطعام وزَرَدْتُه وازدَرَدْتُه ازْدِراداً. وجاء في نوادر الأَعراب: طعام زَمِطٌ  ، وزَرِدٌ أَي لين سريع الانحدار.

فاللسان يقرر التشاكل بين الزَّرد والزمط .

وفي التهذيب والعباب الزاخر واللسان وغيرها :

يقال سَرَطَ اللُّقْمةَ وزَرَطَها وزَرَدَها .


ونعود للبحث ، ونتساءل هل( زمط) بمعنى ( مزط ) المستخدمة عندنا اليوم تعبيرا عن التملّص والانفلات؟

في العامية الشامية لا تتفق المفردتان حيث تطالعنــــــــــــــا :

مزط : بمعنى انسلّ وتمَلّص وانفلت .

زمط : بمعنى البرد الشديد القارس، ويقولون عن الجو أو الطقس إذا اشتدَّ برده : صار زاموطــــــــــــة .ٍ

وفي العامية أيضــــــا ً هناك ( زلط )(1) بمعنى ازدرد  وابتلع بسهولة . بل زلط تضارع تماما كلمة ( زلع ) .

جاء في قاموس العوام لدمّوس( ص132 ):

زمط ، زمق: انسلّ ، أفلت وفرَّ وهرب. وهي تشي بـ(زلط) .

ومعنى زمق في تاج العروس :

تقول العرب: زَمَقَ لِحْيَتَه يَزْمُقُها ويَزْمِقُها منَ حَدَّيْ نَصَر وضَرَبَ زمْقاً أَهْمَلَه الجَوْهَرِي، وقال ابن دُرَيد : أي نتفَها لُغَةٌ في زَيَقَ واللِّحْيَةُ زَميقَة ومَزْموقَة مِثْلُ زَبِيقة ومَزْبُوقَة . وهذا بمعنى (سمط) الفصيحة ، سمط الدابة نتفهــا .

وزَمَقَ القُفْلَ أي : فَتَحَه . وزَمَقَ التّابوتَ : كَسَرَه لُغةٌ في زَبَقَ .

وقال ابن فارس: الزاء والميم والقاف ليس بشيء، وإن كانوا يقولون: زَمَقَ شَعَره، إذا نَتَفه. فإنْ  صَحَّ فالأصل زَبقَ. وبالعودة إلى مادة (ز ب ق) لدى ابن فارس تجده ينكر هذا الجذر أيضا ويشكُّ في عربيّته !
إذًاً فلا زبق ولا زمق من جذور العرب عند ابن فارس، في حين أكد ابن منظور والجمهور عروبة (ز ب ق ) .

قلت : والعوام في بلاد الشام يقولون: مزط ، بمعنيين اثنين ، توظيفين متغايرين كما أسلفنــا .

وباجراء محاكمة جذورية نستطيع أن نقرر :

الاستخدام العامي لكلمة ( مزط) هو استخدام سليم تماما بمعنى الانفلات والتملّص

وهو يشير الى التقديم والتأخير في حروفه ، خاصية معروفة عند العرب.

مزط ———–  زمط ———– زلط

 والزلط يشير الى اللين والسهولة ومنه زلط الطعام أي ابتلعه بيسر دونما مضغ.

أما الزمط والزاموطة بمعنى شدّة البرد ، وهو استخدام عامي أيضا ، فهو أيضا استخدام صحيح بعد قلب السين زايا :

سمط ————- زمط

تقول العرب: سَمَطَ الجَدْيَ والحَمَلَ يَسْمِطُه ويَسْمُطُه سَمْطاً، فهو مَسْموط وسَمِيطٌ: نتَفَ عنه الصوفَ ونظَّفه من الشعر، ومن هنا جاء توظيف الكلمة تعبيرا عن البرد الشديد الذي ينتف الوبر والريش والشعر .

والعرب عرفت هذا التوظيف في تعابيرها : برد يهري ، برد يقص ، برد ينتف …

هذا  والله أعلم ، وآخــرُ دعـوانـــا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين .

 

 ________________ هامش:

(1)جاء في التاج للزبيدي: الزَّلْطُ أَهْمَلَهُ الجَوْهَرِيّ وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ : هو المَشْيُ السَّريعُ في بعضِ اللُّغاتِ ونقله الصَّاغَانِيّ عن ابنِ عَبَّادٍ وكأَنَّهُ لم يَجِدْهُ في الجَمْهَرَةِ حتَّى احْتاجَ إِلَى نَقْلِه عن ابنِ عَبَّادٍ وابنُ عَبَّادٍ أَخَذَه من الجَمْهَرَةِ قالَ ابنُ دُرَيْدٍ : وليس بثَبَتٍ . والزُّلَيْطَةُ كجُهَيْنَةُ : اللُّقْمَةُ المُنْزَلِقَةُ من العَصيدَة ونَحْوِها مُوَلَّدَة قالَ شيخُنا : لا يَبْعُدُ أنْ تَكونَ عَرَبِيَّةً كأنها لسُرْعَةِ دَوِرِها في الحَلْقِ . قُلْتُ : أَمّا وَجْهُ الاشْتِقاقِ فصَحيحٌ وقل المُصَنِّف : مُوَلَّدَة لا يَمْنَعُ ذلك وإنَّما يَعني به أَنَّها لم تُسْمَعْ في كَلامِ العَرَبِ الفُصَحاء فتأَمَّل.

وذكره غيره كاللسان لابن منظور.

د. محمد فتحي الحريري

باحث في شؤون اللغة والاسرة وعلم التربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى