كم مرة شعرنا في فصل الشتاء بقانون الجاذبية الارضية …….حينما تقترب الام لازاحة الغطاء عن الابناء في هذا البرد القارس ، ينزل الغطاء مباشرة وكان يد سحرية امتدت لتعيده ليلتصق بالوجه او الجسد ثانية ، ليحافظ على الدفئ الذي يتسلل في العروق .
البيوت الفلسطينية عامرة بالدفئ في فصل الشتاء … حيث تقضي العائلات الفلسطينية اوقات رائعة في جلسات السمر …تتخللها اصوات تطاير اللهب التي تنبعث من اشتعال الحطب في مدفاة الحطب والتمتع بشواء الكستاء وتناول المشروبات الدافئة كالشاي والنعنع والزهورات اوشرب السحلب . بعض العائلات الفلسطينية المرفهة تلجأ الى وسائل التدفئة الحديثة ، التي لا تكون ذات جدوى في أحيان كثيرة ، في ظل انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة ، وعدم قدرة الاهالي على التحمل في ظل توفر التيار الكهربائي لاربع ساعات يوميا فقط ، وما يعنيه ذلك من معاناة في فصل الشتاء ، وكذلك في الضفة الغربية التي تعيش تحت رحمة الشركة القطرية الاسرائيلية والتي تخفض من تزويد الكهرباء للشركات الفلسطينية مما يعني انقطاع دائم في التيار الكهربائي .
وما بين هذ وذاك يمر شتاء فلسطين ، السماء تغدق بالخير، حبات البرد تضرب النوافذ، تتساقط الامطار بغزارة والاشجار التي غادرتها اوراقها الصفراء او ما زالت تحتفظ ببعض الخضرة تتمايل على انغام الرياح العاتية .
يمر هذا الشتاء شديد البرودة ، تعجز كل وسائل التدفئة ان تمنح الدفئ في وقت تكاد الدماء ان تتجمد في العروق .
ينخر البرد عظام الاطفال في مخيمات اللجوء وفي بيوت تفتقر الى كل مقومات الدفئ ….وتعجز الفراش القليلة المتناثرة ان تمنع صك أسنان الاطفال في شهر الشتاء البارد ، وهنالك الالاف من الاسرى الذين يجاهدون للحصول على بطانية دافئة ويلتصقون جماعات في غرف ضيقة اكلتها الرطوبة حتى يستطيعوا الحفاظ على بقاءهم داخل السجون .
انه شتاء فلسطين الذي يزهو بالخير والخصب ، لكن اطفالا وشيوخا ونساء يرتعدون بردا …في بيوت دمرتها آلة الحرب الاسرائيلية وما زال تباطئ الدول عن اعادة الاعمار في قطاع غزة يشكل وصمة عار في جبين الانسانية والاف الاسرى من النساء والاطفال والشيوخ والابطال يقبعون في زنازين ومعتقلات تفتقر الى ادنى الشروط الانسانية .
انه شتاء فلسطين يحمل الجمال ….لكن في طياته ايضا اصوات عذابات الاخرين فهل تصل رسالة المعذبين الى من يصمون الاذان عن سماع هدير اصوات القابعين هناك خلف القضبان ينتظروهن لحظة الحرية …وهل تسمع كل المناشدات الموجهة للمنظومة الدولية التي تطالب بفك الحصار عن قطاع غزة ، هل تستطيع ان تخفف من آلام ام فقدت ابنها بسبب الحروب القاسية وبسبب ما يعنيه الغياب التام للمقومات الاساسية للبقاء والصمود.
ناريمان عواد