“الناس معادن” هكذا يقولون في الأمثال عندما نقف أمام هذا المثل ونتأمله، ونتمعن في دلالاته نجده بالفعل يمثل واقع البشرية من لدن آدم -عليه السلام- إلى يومنا هذا وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حين تستوفى الآجال.
الناس معادن والمعادن تختلف في خواصها الفيزيائية، وفي تركيبها الكيميائي، وفي مسمياتها وأحجامها، وكذلك البشر يختلفون في كل هذه الصفات، وكلٌ حسب معدنه؛ فهناك الذهب الخالص وهناك ال … .
من هنا تختلف تصرفاتهم، وتختلف مواقفهم، وتختلف ردود أفعالهم؛ لأن صفة الآدمية توجب هذا الاختلاف فالإنسان يصيب ويخطئ فهذه طبيعته وهذه فطرته فهو ليس ملاكًا؛ لذلك يجب علينا حين نتعامل معه أن ندرك هذه الحقيقة فنتعامل معه وفقها، ولا نطالبه بما لا يستطيع، ولا نحاسبه على ما ليس له به ذنب، ولا نتتظر منه أن يتصرف كملاك لأنه في النهاية بشر.
هذا الأمر ينطبق على جميع بني آدم مهما اختلفت صفاتهم، وتعددت أطيافهم، وتنوعت أعراقهم، وتباينت ديانتهم، ومهما اختلفت أعمالهم أو مناصبهم أو مكانتهم الاجتماعية فهم في النهاية بشر يصيبون ويخطئون.
هذه الحقيقة التي يجب علينا أن ندركها تمام الإدراك، ونبني مواقفنا بناءً عليها، ونحكم على الآخرين من خلالها، وعلينا أن نتعامل معهم كما هم، ونقبل تصرفاتهم كما هي لا أن ننتظر منهم أن يتصرفوا كما نريد، أو وفق مانرسمه في خيالنا، ووفق تصنيفاتنا التي صنفنا بها البشر؛ فهذا مدير وذاك غفير، وهذا وزير وذاك صاحب بعير، وهذا أمير وذاك فقير.
بل يجب علينا أن ننظر إلى جميع البشر بنظرة الواعي المدرك للأمور العارف بأطباع البشر الفاهم لطبيعتهم البشرية المقدر لآدميتهم، وليس بنظرة المثالية التي تفترض على البشر أن تكون تصرفاتهم، وردود أفعالهم كما يجب أن يكون أي كما يتوقع أصحابها؛ فما تراه واجبًا لا يراه غيرك واجبًا، وماتراه خطبًا جللًا يراه غيرك أمرًا في غاية البساطة.
وهذا الأمر في غير الأوامر والنواهي الشرعية التي يجب على كل مسلم أن يقف عند حدودها ولا يتجاوزها؛ فيفعل ما أمر الله به ويجتنب ما نهى عنه ربنا عز وجل، وما أتحدث عنه أو ما أخصه بالحديث هو “رد الفعل” وليس الفعل ابتداءً.
ما قادني للحديث عن هذا الأمر ما ينتشر بين الفينة والأخرى من مقاطع على مواقع”التقاطع الاجتماعي” عفوًا التواصل الاجتماعي لبعض أصحاب الشأن أو لبعض الوزراء من مواقف أو ردود فعل لا تليق، ومن ثم تطير به الناس، وينتشر في الآفاق، وما تصاحبه من تعليقات ومن افتراضات افترضها المتلقي وأصدر أحكامه عليها، وتلقفها الآخر ليمهرها بختم فكره بعد أن طبعها وفق تصوره الخاص الذي أملاه عليه عقله وهكذا تتكاثر حولها الآراء، وتتباين تجاهها المواقف، وتختلف حولها الأحكام فيصنع منها قصة “ألف ليلة وليلة” وبعضها لا يعدو كونه تصرفًا بشريًّا، ورد فعل فعله صاحبه وفق آدميته، وبحسب بشريته لا بحسب منصبه ومكانته.
وقد يكون بعض هذه المواقف مفتعلًا ومخططًا له لإيقاع هذا الوزير أو ذاك من أشخاص لهم أهداف يريدون من خلالها تحقيق أمر ما لغاية ما؛ فيفتعلون هذا الموقف، ويستفزون هذا المسؤول حتى يخرج عن طوره، ومن ثم يصورون الحدث كاملًا، ويبثوه عبر هذه الشبكات وتتلقفه الناس ويحدث ما نراه كلنا ونتناسى مقدار الاستفزاز الذي تعرض له هذا الآدمي، ونتغافل عن طبيعة البشرية وأنه في النهاية بشر وله رد فعل ينبع من هذه الطبيعة البشرية..!!!
واللوم هنا ليس موجهًا فقط لذلك “المستفز” الذي أخذ منه هوس الشهرة كل مأخذ فطفق في الآفاق يتفنن في استفزازه متصيدًا لهذا المسؤول أو ذاك حتى يقع أحدهم في حبائله فيتحقق له مايريد، ويشعر بنشوة انتصار مريضة سيطرت على فكره ردحًا من الزمن..!!!
بل اللوم للوزير أو المسؤول الذي تناسى أنه بشر وأن هذه الوزارة كرسي سيغادره يوماً إما بإقالة ليست “بناءً على طلبه” أو كما قال الشاعر :
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يومًا على آلة حدباء محمول
وأن هذا المنصب تكليف وليس تشريفًا؛ فراح يتعالى على الناس، ويتكبر عليهم، وينظر لهم من برج عاجي وضعه لنفسه متغافلاً عن ( إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)، ويحدثهم من طرف أنفه، وينظر لهم بنصف عين؛ فيستدعي معجمًا لفظيًّا لا أعلم من أين اكتسبه !! فيطلق العنان للسانه ليرمي حممه على هذا المواطن أو ذاك ظانًا بأن حصانته “الدبلوماسية” ستحميه من لسان ذلك المواطن، وأنه لن يرد له الصاع صاعين..!! فنظهر أمام الآخرين بهذا المنظر الذي أقل ما يقال عنه بأنه مخزٍ.
لذا يجب علينا جميعًا أن نتحمل مسؤولياتنا، وأن نراقب تصرفاتنا، وأن نحفظ ألسنتنا، وأن نتقي الله -عز وجعل- فيما نفعل وفيما نقول، وأن نحمد الله -عز وجل- على نعمة الأمن والآمان التي أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يديمها علينا، ويكفينا شر الفتن.
ساير بن عوض المنيعي-الكويت
نعم هذا الحاصل مع كثيرا من الناس { نسوا الله فأنساهم أنفسهم } حتى ارداهم نسيانهم فأوصلهم الى الاعتقاد بأنه ليس ( ابن أنثى .. )
اخي ساير دائما تتحسس مواطن الألم و تصف العلاج بلغة لذيذة تصل الكل ، لا حرمك الله الاجر