جرّبت العلمانية الدعوة المباشرة لفصل الدين عن الدولة، بل عن الحياة بأكملها؛ باعتباره (أفيون الشعوب) – كما يراه المفكرون الغربيون – ولكنها بعد سنوات طويلة اكتشفت فشل هذا المنحى حين وجدته مرفوضاً من الشعوب الإسلامية التي تميل بفطرتها للدين.
وحين أدركت العلمانية عدم جدوى هذا المنحى بعد محاولات مستميتة لاستنساخ التجربة الغربية – بحذافيرها – في صراعها مع الدين، قررت أن تنحو منحى جديداً عبر منظِّريها وعرَّافيها في تغيير تكتيكي لقواعد اللعبة، فغيرت وسيلتها، ولوّنت جلدها، ولكن ظلت غايتها واحدة: هدم الدين في نفوس المسلمين، أو إضعافه على أقل تقدير.
لذا بدأ منظرو العلمانية وعرّافوها يظهرون في ثياب الغيُّورين على الدين، ويرفلون في سربال الحادبين على مصلحة الأمة، المتباكين على ما آل إليه حالها من تخلف واتحطاط، رافعين شعارات العقلانية وحرية الفكر التي تنبذ التشدد والتحجر والجمود، ومنادين بدعوات التجديد والفكر الذي يبغض الرجعية والتقليد والتبعية؛ ليشككوا في الأصول، ويزعزعوا الثواتب، ويدمروا المباديء! فيدّعون أنهم – وحدهم – أهل المنطق والموضوعية والحياد، بينما يرمون خصومهم بالرجعية والتنطع والأصولية وضيق الأفق.
يفسِّر أحدهم نصاً قرآنياً فيلوي عنق النصوص، دون معرفة بأصول التفسير وقواعده، ويدّعي ثانٍ تعارضاً بين آية كريمة وحديث صحيح، دون أن يقرأ ما كتبه العلماء في إزالة ظاهر التعارض الذي يزعمه، ويشكك ثالث في متن حديث أو سنده، دون امتلاك لأدوات علم الحديث وأصوله، ويثير رابع شبهة حول حدث تاريخي، دون أن يتثبَّت من صحة الرواية التاريخية، … وهكذا.
فلا تستغرب إن جاؤوا بمنكر القول وشاذ الفتاوى وغريب الاستدلال، فلن يهدأ لهم بال حتى يحققوا هدفهم في إقصاء الدين من الحياة، قياساً على التجربة الغربية المغايرة للتجربة الإسلامية في سياقها التاريخي! ليرضوا بأن يكونوا أذيالاً للغرب، إن أحسن أحسنوا، وإن أساء أساؤوا!
ولما كان لبعضهم جَلَدٌ في الموقف، وسحر في المنطق، وبلاغة في اللسان؛ وجَد من يلتفُّ حوله منبهراً ومخدوعاً به من قليلي العلم، أو ضعيفي الإيمان، أو الاثنين معاً!
فالعاقل من استقام على الدين القيِّم والصراط المستقيم، وأخذ العلم من العلماء الثقات الربانيين الذين يخشون الله حق خشيته؛ لأن العلم يورث الخشية من الله والتقوى والورع، وابتعد في المقابل عن سبل الهوى والانحراف، مجتنباً أئمة الضلال والزيغ من المتفيقهين والمتحذلقين والعلمانيين.
“وقد حذَّر من أمثال هؤلاء النبي عليه الصلاة والسلام حين قال: (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون) السلسلة الصحيحة (1582). قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (العلماء المضلون، الذين يدَّعون أن ما هم عليه شرع الله، وهم أشد الناس عداوة له) (القول المفيد على كتاب التوحيد) (1/365).
علي صالح طمبل