عبدالحق هقي

الوافد الجديد!!

لُجة الأيقونات

منطق الطير: “رحلة الاستكشاف الحقيقية لا تستلزم الذهاب لأرض جديدة، بل تستلزم الرؤية بعيون جديدة” – مارسيل بروست

          كل يومٍ بتَ وافدًا جديدًا على هذه العوالم الساحرة المتشعبة، تائهًا في وسائطها ومتعجل الخطو في شبكاتها، متعلقًا بأستار أوهامها حينًا وبسراب حقيقتها أحايين كثيرة، ما أن تفرك عينيك إلاَّ وتشعر بغربة أكثر وبغرابة تضاهي تلك الغربة، لا تنتهي دهشة الاكتشاف إلاَّ على لذة الدهشة التي أعيدت إلى سيرتها الأولى، تنتفي أقْدَمِيتُك مع أفول ليلة باردة وحلول يوم جديد، في كل ولوج دروس ما كنت ستحصّلها لو قضيت سنين في غير هذه المتاهة العنكبوتية، شعارك: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ).         

          يُخطئ من يتوهم بأنه قادر على الفهم الدقيق لهذه الشبكات وإن قضى في دروبها زمنا عِتِيًّا، وانطلاقًا من ذلك الفهم أمكنه التصرف الحكيم حيال ظواهرها الممتدة المتجددة، فحركية هذه العوالم وتشعبيتها تجعل من المستحيل مواكبتها، لذا فمن السذاجة الانتشاء والاكتفاء ببعض الحضور ومئات “الإعجاب” وإعادة المشاركة أو التغريد!!، والدخول إليها بعد ذلك بثقة التسلح ببعض المفاهيم المجتزئة والتصورات السطحية والأدوات التقليدية وكم من الانطباعات الذاتية.      

          لا شك أن العيب لا يكمن في هذه العوالم والشبكات كما يحاول البعض تسويق ذلك كمشجبٍ لتعليق فشلنا الدائم في مواكبة المستجدات، والقدرة على التعامل الذكي معها، وإنما في منظومة التفكير النمطية التي ترفض الجديد وتستخف بقدرته على التأثير والتغيير، إن لم يكن العصف والتجديد!!، واللحاق المتأخر دومًا بحجة (أن تلحق متأخرًا خير من أن لا تلحق)!!، متجاهلين أن الثواني باتت تقلب الموازين وأن التلكؤ في ميزان الحضارة لا يؤدي إلى الانكفاء وإنما للانتحار.

          علينا إذًا تغيير نظرتنا تجاه الأشياء، والتعامل السريع مع المستجدات، والتعود على أن الحكم على المتغيرات يستوجب دراسة فاحصة تكشف عمقها بغض النظر عن شكلها قبل إطلاق الأحكام، والتدرب على التفكير الابتكاري المنتج، وعدم الاكتفاء بالفرجة والانبهار، والمحاولة الجادة في المساهمة في حركية التطور والتقدم الحضاري، ووعي أن التقانة لم تعد مجرد ترف تزهو بها الأمم، بقدر ما أضحت واقعًا يُسير راهن الحاضر ويُشكل مستقبل الغد، لا مفر منها ولا فرار..

خبر الهدهد: “طيارة”..

عبد الحق الطيب هقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى