ليس عيباً أن تتعلم ممن هو أصغر منك سناً أو أقل منك علماً ، أوأدنى منك مقاماً ومكاناً.
فرب حامل علم إلى من هو أعلم منه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهي له.
تكلم الهدهد وهو طير فسمع له سليمان وهو نبي ، وتكلمت النملة وهي حشرة فتعجب من قولها سليمان وهو نبي.
حدّث الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله عن نفسه فقال :
أخطأت في خمسة أبواب من المناسك بمكة فعلمنيها حجّام.
وذلك أني أردت أن أحلق لأخرج من الإحرام. فأتيت حلاقاً وقلت : بكم تحلق لي رأسي ؟
قال الحجام : هداك الله ، النسك لايشارط فيه . اجلس وأعط ما تيسر منك..
قال أبو حنيفة : فخجلت وجلست.
غير أني جلست منحرفا عن القبلة.
فأومأ لي باستقبال القبلة ، ففعلت وازددت خجلا .
ثم أعطيته رأسي من الجانب الأيسر ليحلقه
فأشار إلي الحجام أن أدر شقك الأيمن
فأدرته.
وجعل يحلق رأسي وأنا ساكت أنظر إليه وأعجب منه.
فقال الحجّام : مالي أراك ساكتا ؟
كبّر …
قال أبوحنيفة : فجعلت أكبّر حتى قمت لأذهب لحل احرامي .
فقال الحجام : إلى أين تريد ؟
قلت : أريد أن أمضي الى رحلي.
فقال الحجام : صلّ ركعتين ثم امض إلى حيث تشاء ، فصليت ركعتين وقلت في نفسي ماينبغي أن يقع مثل هذا من حجام إلا أن يكون ذا علم.
فقلت له : من أين لك ما أمرتني به من مناسك ؟
قال : لقد رأيت عطاء بن أبي رباح يفعله فأخدته عنه ووجهت الناس اليه.
هكذا هم الكبار في تواضعهم وسمتهم وأدبهم لأخذ العلم ممن معه علم ولوكان قليلاً ، ولوكان حامله بسيطاً لايُعبأبه.
فلاتأخذهم العزة بالإثم في ذلك ، ولايستنكفون ولايستكبرون في الأخذ به.
فبلغوا بذلك المجد والسؤدد.
يقول التابعي الجليل الفقيه المكي عطاء بن أبي رباح الذي تعلم منه هذا الحلاّق : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني أسمعه لأول مرة ، وأنا قد سمعته قبل أن يولد.
رحمهم الله.
فليكونوا لنا قدوة.
فإنهم أئمة ونحن لهم تبع.
أ.د. عبدالله عيضه المالكي