المقالات

أوراق لشفيف القرى(١)

منازل القرية مبنية من الحجارة والطين والخشب، الناس، متساوون في مستواهم المعيشي هذا الذي زاد من ترابطهم وتكاتفهم؛ لذا كان كل سكان القرية بمثابة الأسرة الكبيرة متراحمين متوادين متعاونين والشواهد كثيرة سواء عند بناء المنازل ووقت الطينة، ويقصد بذلك تشييد أسقف المنازل بالخشب وأنواع من أغصان الشجيرات ومن ثم الطين، النسوة يجلبن الماء بواسطة القرب من الآبار والرجال يتساعدون في حمل الحجارة والطين وتسويته، أما في الأعراس فيمكن القول بأن استعارة الأواني من مصابيح إضاءة وصحون وقدور ودلال وفراش من الجيران، فضلا عن المباركة أو ما يسمى “بالرفد” والقصد منها إعانة المتزوج سيما وأن الظروف المعيشية قاسية جدا.

قريتي السروية بمبانيها الحجرية، ومساربها وطرقاتها وجرنها وناسها، ومصاطبها الزراعية وبساتينها تمثل العالم بأسره.. هذا ماكنت أظنه، الجبال الشاهقة المحيطة هي أقصى ما يمكن مشاهدته، بعدها تأتي السماء كرداء أزرق، جبل ضخم يحف بغابة من أشجار العرعر، تتلبسني حالة من الرعب والدهشة حين أدقق النظر فيه جبل بهول، وفي الجانب الآخر يأتي جبل على شكل ظهر الجمل (الحبناء) يرتمى طرفه الأيمن؛ ليصل إلى وادي منخفض تجري مياهه معظم أيام السنة، وحين أصعد على سقف منزلنا الصغير أشاهدُ جبل القابل الذي ينخفض صدره قليلا؛ ليصوبَ رماةُ العرضة فوهات بنادقهم تجاه صخرة نسيت طريقها فبقيت مكانَها كعلامة بارزة ومثيرة. فأصبحت هدفا للتأكد من مهارة الرماة.
هذه القرية التي تحتمى خلف جبل القردود وتستأنس بوادي قوب الذي يغذيه بهول يجري كالفضة، مياهه تجلجل الأحجارُ الصغيرةُ وتقذفُ بها في مواقعَ بعيدة.
قريتي هي العالم، لا أعرفُ شيئا عن غيرها، بيتُنا الحجري الصغير كان يضم والديّ وأشقائي البيت الذي عشت فيه كغيره من بيوتات القرية رضمت جدرانهُ من الحجارة بشكل متقن، يعلوه سقف ُخشبي مغطى بالطين المتيبس يحمينا من البرد والحر والمطر والشمس، والدتي عزيزة تعتني به خصوصا في أوقات الأعياد كنت ألمح أصابعَها وهي تضعُ خطا من الألوان الزيتية على ارتفاع أقل من متر تقريبا بعدها تشرعُ في دهن الجزء الأسفل فيصبحُ حزاما أخضر يعلوه بياضُ الجير، هذا هو مجلسُ الضيوف فرشة من سعف النخل تعلوه سجادة إيرانية، يطل الجالس من نافذة صغيرة مزينة بأعمدة حديدية، مدهون ببوية خضراء، أما الجانبُ الآخر فيوجد غرفة صغيرة نسميها عليّه في شق النساء، ومجاورُ لها مكان الطهي يفصل الغرف عن بعضها أخشابَ من شجر العرعر، خلبت بالطين ودهنت بالشيدة هذا بيتنا والذي تماثله بيوت الجيران، وجيران الجيران.

جمعان الكرت

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى