تتنوع المواضيع في جلسات النساء لكن يبقى الحديث عن الرجل هو الحديث المفضل لدى أغلب النساء , ما ميز هذه الجلسة عن باقي الجلسات التي اعتدتها ليس فقط تنوع جنسيات المدعوات و لكن تنوع القصص التي كان أبطالها رجالاً ليسوا بالرجال.
كالعادة بدأ الحديث عن الأسرة و العمل و الصداقات و الجيران ثم تسللت سيرة الرجال الى مجلسنا الجميل بشكلٍ خفي , لا أذكر تحديداً من و كيف بدأ الحديث عن الرجال و لكن القصص التي سمعتها في هذه الجلسة إن دلت على شيء فإنما تدل على انقلاب المفاهيم و اختفاء القيم و المبادئ من كل المجتمعات قاطبة بدون استثناء .
بدأت أماني , و التي دخلت عامها الأربعين و لم يسبق لها الزواج , برواية حكايتها المضحكة المخجلة معاً, فقالت كنت في زيارة لصديقتي فأخبرتني بأن صديق زوجها يبحث عن زوجة لكنه حالياً بلا عمل و أقنعتني بأنه الشخص المناسب حيث كان يكبرني بخمس سنوات و مطلق و ليس لديه أطفال و أصرت عليّ بأن أغتنم الفرصة قبل فوات الأوان , أخبرتها بموافقتي المبدئية على الفكرة شريطة أن يجد عملاً يكسب عيشه منه فأنا لا أقبل الزواج من رجل يكون عالة عليّ أو على أيّ أحد , ثم تفاجأت بصديقتي تخبرني في اليوم التالي بأن الرجل لا يملك مالاً للزواج لذا عليّ أن أعفيه من المهر و بما أن حالتي المادية ممتازة فكان من ضمن طلباته أن أقوم باستأجار شقة مفروشة و أخبر عائلتي أن هذه شقته الخاصة و أما الذهب فقد اقترح أن أشتري ذهباً مزيفاً و أدعي أيضا ً بأنه ذهب حقيقي, و بالنسبة لحفل الزفاف فلا داعي له لأن سني لا يسمح لي بإقامة الحفل, أما فيما يتعلق بموضوع العمل فلا داعي للعجلة لأن عملي يكفي أن يضمن لنا حياة كريمة, فرفضت رفضاً قاطعاً فأنا أبحث عن رجلٍ يحترمني و يرغب بالزواج مني لشخصي لا لمالي .
أما سميرة و هي موظفة بإحدى الدوائر الحكومية فقالت خرجت في الصباح كعادتي إلى مكان عملي و عندما وصلت اكتشفت بأنني قد نسيت مفتاح مكتبي في المنزل, فعدت أدراجي إلى المنزل لأضبط زوجي في وضع مشين مع الخادمة ,كانت صدمتي كبيرة جعلتني أقف في حيرة أأطلب الطلاق و أشتت أسرتي في مجتمع شرقي لا يرحم المطلقات ؟! أم أقبل بالواقع كما هو حفاظاً على أسرتي الصغيرة من التشتت و الضياع؟! و بعد تفكير طويل آثرت العيش مع رجل أصبحت أمقته كي لا أخسر عائلتي.
و تقول عايدة بعد سنوات طويلة من الزواج و صبري على سوء خلق زوجي و أطباعه السيئة و بخله الشديد اكتشفت أنه متزوج بالسر من امرأة تكبره بعشر سنوات فقط لأنها ثرية و تحمل الجنسية الأمريكية, و بعد اكتشافي للموضوع بدأ يحول حياتي الى جحيم أقسى و أمر من السابق كي يجبرني على طلب الطلاق و التنازل عن المؤخر, و حفاظاً على نفسية أبنائي و مستقبلهم تنازلت عن كافة حقوقي مقابل أن يبقى الأبناء بحضانتي حيث تنازل عنهم بسهولة , و تم الطلاق كي أصبح انا الأب و الأم في بيتي .
أما نعيمة و هي أم لثلاثة أطفال فحكايتها مألوفة للجميع و تحدث مع أغلب النساء فهي تعمل و تكدح طوال الشهر تاركةً أولادها و بيتها ليأتي زوجها آخر الشهر بكل بساطة و يأخذ منها الراتب مع أن عمله جيد ولا ينقصه المال و إذا رفضت اعطاءه المال فلا يتوانى عن ضربها و إهانتها أمام أطفالها و تقول بحزن شديد أنتظر بفارغ الصبر أن يكبر أبنائي و يصبحوا رجالاً اعتمد عليهم كي انفصل عنه و ارتاح من عذاب أعاني منه منذ سنين .
أما القصة التي آلمتني بحق فكانت قصة منى و التي كان يعتلي وجهها بسمة حزينة و ساخرة أثناء الحديث فقالت: تعرضت و عائلتي لحادث سير خطير كاد يقضى علينا جميعاً لولا لطف الله , و سبب لي الحادث أضراراً كبيرة حيث أخبر الطبيب والداي بأنه في المستقبل سيكون من الصعب أن أنجب إن تزوجت, و قال حرفياً قد يكون من الصعب أن أنجب و لكن ليس مستحيل إذا خضعت لعلاج قد يكون طويلاً نوعاً ما.
ثم و بعد مدة من الزمن تقدم ابن خالي لخطبتي و كان يعشقني بجنون و لم تشأ والدتي أن تخفي عليه الأمر فصارحته بأضرار الحادث و ما قاله الطبيب حرفياً فأكد لوالدتي أنه يحبني كثيراً و لا يهتم لموضوع الأطفال و أبدى استعداده لعرضي على أفضل و أمهر الأطباء و بعد تردد كبير مني و من والديّ و أمام إلحاحه و إصراره وافقت على الزواج منه مضى الشهر الأول كالحلم و كذلك الثاني و الثالث ثم تلتها أشهر روتينية تخلو من الخلافات و المنغصات , لم يتطرق فيها أبداً لموضوع الأنجاب أو حتى الذهاب الى طبيبٍ مختص و في شهرنا السادس من الزواج طلب مني أن أذهب بزيارةٍ لمنزل والديّ و بعد وصولي بساعتين اتصل بوالدتي ليخبرها بأنه لا يرغب بعودتي إلى بيته و أنه سيقوم بتطليقي لعجزي عن الإنجاب و عندما حاولت والدتي أن تذكره بوعوده و كلامه قال لها ” المال الذي سأنفقه على علاجها أستطيع الزواج به من اربع نساء” و تم الطلاق و آلت علاقة أمي بخالي إلى قطيعة أبدية , و تابعت قولها بمرارة اسودت الدنيا بعينيّ , كرهت كل الرجال , و فقدت ثقتي بجميع الناس .
اختلفت القصص و اختلفت الراويات فتلك التي تفاجأت بأحدهم يعرض عليها “صداقة حب” و هي بالكاد تعرفه, و تلك التي صدمت بزوج صديقة الطفولة يعرض عليها الزواج سراً, ولكن و على الرغم من اختلاف المجتمعات و الجنسيات و الروايات إلا أنها اتفقت على شيء واحد أو شيئين : أولاً مجتمعاتنا العربية لا ترحم أنثى مطلقة, أو أرملة, و لا تعطف على من فاتها قطار الزواج. و ثانياً نقص الرجولة أصبح سمة تميز أغلب الذكور في كل المجتمعات على اختلاف ثقافاتها و عاداتها.
لا يحق لأي رجل أن ينتقد أنوثة امرأة فنقص الأنوثة يتماشى طردياً مع نقص الرجولة فكلما تضاءلت الرجولة عند الذكور تلاشت الأنوثة عند النساء. فإن رأيتم امرأة بلا أنوثة فاعلموا ان ورائها شبه رجل , امتهن انوثتها و استغل ضعفها و قلة حيلتها.
لا نستطيع أن نلوم أي امرأة على بؤسها و قدرها فاللوم الأول و الأخير على مجتمعاتنا التي ينقصها العقل و المنطق ناهيك عن نقص الرجولة , و يبقى الرجل هو المُلام الأكبر فلو حافظ على مروءته لما اختلت الموازين , و ما ضاعت القيم .
د. أمل أبو خليل