لُجة الأيقونات
منطق الطير: “إنه لأمر غريب كيف أننا نتمسك بالأشياء التي حدثت في الماضي في حين أننا لا زلنا ننتظر ما سيحدث بالمستقبل” – آلي كوندي
ليس مستغربًا أن نتهافت على الحياة العصرية بما تحمله من مغريات وجاذبية، ونبذل في سبيل التمتع بما تقدمه من فرص للاستجمام وفضاءات متعددة للتسلية بالجهد والوقت والمال، وتُرانا ننتظر مع انقضاء العطلة حلول العطلة التي تليها كي نحاول منح الذات المتعبة قسطًا من الراحة ونهرُب بها من روتين العمل والحياة!!؛ ومع كل تلك المتع الآنية والمترفة فإن شيئًا ما بدواخلنا يجعلنا لا نستمتع بذلك الصخب، وهو الذي يدفعنا لتكرار التجربة على عبثيتها في حالات كثيرة بحثًا عن تلك اللذة المفقودة.
وسط تلك الحيرة ودون تخطيط أو مقدمات تنجذب الروح لأنشطة كثيرة تقام على الهامش هنا أو هناك تحاكي أسلوبًا حياتيًا تراثيًا بات مفقودًا، بعضنا لا يزال يشتم رائحة تلك البيئات وبعضنا مكتفٍ بما سمعه عنها وما رسمته مخيلته عن عذوبة العيش فيها على عديد المصاعب والعذابات، فتنتعش الروح وسط بيوت الشَعْرِ وبين حواري الطين وقصور الجبس، يتلذذ المرءُ ماءً يرتشفه من قُلة عتيقة وحليبًا مخضوضًا في قربة عريقة ويستطيب خبزًا وشايًا وقهوةً لفحها لهيب نارٍ تبعث السرور والدفء.
إن المناداة بالعودة الدائمة إلى تلك الحياة البسيطة كأسلوب حياة يبدو مستحيلاً، فتعقيدات الحياة وتقدمها يجعل من ذلك المطلب الزاهد عبثًا يستظل به “الكسالى”، فلا مناص من خوض غمار الحياة العصرية ومواجهة التحديات التي تفرضها أكان على المستوى المادي أو المعنوي، وفي المقابل فإن الهُروب إلى الحياة التقليدية البسيطة في مواسم العطل بشكل احتفائي كرنفالي يبدي الوجه الآخر للعبث، فالمسألة تتجاوز الجوانب المادية من ذلك التراث وما تتركه من أثر في النفس.
لا يخفى أن الجوانب اللامادية من هذا التراث تُشكل حصانة ذاتية ومجتمعية، يجب أن لا ينحصر حضورها موسميًا واحتفائيًا بصورة ارتجالية، وإنما يحبذ إدماجها في منظومة الحياة المعاصرة بشكل مدروس وممنهج، خصوصًا منظومة القيم الجمالية سواء ما تعلق بالمناحي العمرانية أو السلوكية، فحضور بهجة الألوان والأشكال والأصوات في البيئة المختنقة المعقدة ذات “الرتم” السريع سيمنح فضاءات أرحبُ وأهدأ لإنسان اليوم المسكون بالحيرة والقلق، المأسور لهواجس المستقبل.
خبر الهدهد: لغتي الأم
عبدالحق الطيب هقي
وهو الذي يدفعنا لتكرار التجربة على عبثيتها في حالات كثيرة بحثًا عن تلك اللذة المفقودة