المقالات

أفراح في إيران

في خضم تحليل أهداف زيارة الرئيس الإيراني روحاني لعُمان والكويت، والتي يحاول فيها استباق ماقد تقوم به القيادة الأمريكية ضد إيران من عقوبات جديدة لعله يجد من ينقذه من العقوبات الأمريكية المتوقعة، ولعله يستفيد من مكانة دول الخليج في رفع العقوبات وقد سمع بالتأكيد كيف أدى تدخل المملكة العربية السعودية لرفع العقوبات عن السودان باعتراف الرئيس البشير نفسه.
لقد أدت السياسات العبثية التي تمارسها القيادة الإيرانية وعدم تحوّلها من فكر الثورة إلى ثقافة الدولة في دخول الشعب الإيراني الخلّاق في أزمات متلاحقة.
ذكرتني زيارة روحاني التي أتت متأخرة بالمباحثات التي استمرت حوالي ثلاثة أشهر بين إيران ودوّل ٥+١، ثم استمرت حتى تم التوقيع على الاتفاق النهائي الذي كان مفسرًا لاتفاقية الإطار والذي كان بالإمكان توقيعه قبل ١٢ سنة وبأقل التكاليف والشروط، كنت وقتها أنتظرالموقف التركي حتى أطمئن على مصالح دول الخليج العربي فالمصالح في هذه القضية متشابهة. تركيا بالمناسبة التي اكتشفت أن القوي من يتربع في نادي العشرين وليس الذي يحاول صناعة القنابل النووية. لم يتأخر الأشقاء الأتراك كثيرًا فأعلنوا دعمهم للإطار ثم الاتفاق الذي انتهت إليه المحادثات بدون تحفظ.
مشكلة الملالي في إيران أنهم لا يزالون يعتقدون أن القوة العسكرية تحقق لهم المصالح الاقتصادية لذلك يحرقون موارد إيران بتصرفات صبيانية عبثية لا طائل من ورائها، وهذا فكر انقلب عليه العصر فالقوة العسكرية قوة ردع لتأمين النجاح والاستقرار للحراك الاقتصادي، الصين اليوم تجتاح العالم دون إطلاق طلقة واحدة، وشركة أبل الأمريكية لا تنام من هذا الكوري المزعج، والمارد الهندي يقول إن أي اعتداء إيراني على الإمارات سوف يدفع الهند للتدخل؛ لأنها دوافع اقتصادية فقط. رضخت إيران لشروط قاسية ومراقبة دقيقة لبرنامجها النووي لم تكن الدول العظمى تحلم به، كانت الفرصة سانحة قبل سنين للقبول بأقل من هذه الشروط وكانت أسعار البترول في حدود الـ١٠٠ دولار وكانت العقوبات على إيران شكلية ولكنها عادة الملالي يصلون متأخرين، ساءت الظروف وضاق الخناق الاقتصادي واستسلمت إيران لهذا الاتفاق المهين .. خمسة عشر سنة مدت الاتفاقية ويمكن أن تمدد حتى يأتي حكم في إيران يؤمن بأن إيران يجب أن تكون عضوًا إيحابيًا في المنطقة والعالم .

كنت أتابع وقتها أفراح الإيرانيين بالتوقيع على الاتفاق الذي لا بد منه وأنا واثق أن فرحهم لَيْس لما وصل له ظريف فلم أرَ ظريفًا بائسًا كما رأيته يتحدث بعد المتحدثة باسم الاتحاد الأوربي؛ وكأنه فقير على مائدة لئيم وبالذات عندنا قال ليس هناك شيء أقوله بعد تصريح المتحدثة الأوربية، ولكن عندما شاهدت الإيرانيين يعبرون عن فرحهم بقرب رفع العقوبات الاقتصادية التي أثقلتهم، عرفت أن هؤلاء الجماهير لم يفهموا في الأمور التقنية المعقدة ولا يعرفون ماهو الماء الثقيل ولا تهمهم أجهزة الطرد المركزي، ولكنهم يستوعبون أن الريال الإيراني فقد أكثر من ٤٠ ٪ من قيمته ولا يزال وأن الغلاء الفاحش مع قلة الموارد جعل حلم الإيراني أن يجد له قاربًا ينقله إلى استراليا أو طائرة يتعلق بها إلى كندا أو فرصة عمل على الشاطئ المقابل للخليج، وأن لا يمر على بعض الموظفين ثلاثة أشهر دون استلام رواتبهم، وأن يكون عنده القدرة لتزيين مائدته بالزعفران والفستق والكافيار الإيراني الفاخر الذي يذهب لدول الضفة الأخرى للخليج، هذا يفهمه جدا الموطن الإيراني البسيط والذي خرج فرحا بحلم رفع العقوبات الذي يتوقع بعدها أن ينعم برغد العيش، ولكن هذا لم يحصل واستمر الاقتصاد الإيراني بالتدهور لأن الملالي استمروا يوزعون موارد وثروات إيران على غلمان نصر الله وعبدالملك الحوثي، وعلى عصابات الحشد الشيعي في العراق، وعلى قطعان علي سلمان في البحرين، وعلى عصابات الحرس الثوري المبتلى بهم الشعب الإيراني نفسه.
ولو انشغل الإيرانيون بالبحث بالطرق السلمية عن طريقة للتسرب إلى أسواق الخليج وتبادل المصالح وتناول جزء من كعكة التنمية الهائلة التي قامت ولا تزال في دول الخليج ما احتاجوا للركوع تحت أقدام الدول العظمى، وما كان هذا حالهم ولا حال الشعب الإيراني الذي يعيش أكثر من ٦٠٪ منه تحت خط الفقر.
لو نبذ الملالي العنف ونزلوا إلى أرض الواقع، وتركوا الخيالات المريضة والعنتريات الفارغة لما شعبهم يقيم الأفراح لمجرد احتمال رفع العقوبات.
وهم اليوم يأملون من زيارة روحاني للخليج أن تحقق شيئًا من فك الخناق الدولي على إيران، وهو أمل مستحيل مالم يتوقف التدخل الإيراني في العالم العربي وتصبح (إيران أولًا) هو ما يشغل عقول الملالي.

محمد عبدالرحمن الحاقان

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button