محمد ربيع الغامدي

التعصّبُ فخُّ الانتماء

الانتماء طبيعة بشرية بل قد رفعها بعض المختصين بدراسة النفس البشرية إلى مستوى الحاجة، وهي في مفاهيمنا السائدة من علامات الرشد ودلائل الصحة والعافية ومن محددات الشخصية السوية، أما الاغتراب الذي اصطلح عليه البعض نقيضا للانتماء فإنه يخفي وراءه اعتلالا نفسيا أو يشي بخلل ما.

والانتماء له مستوياته المختلفة، لا تتعارض فيما بينها داخل النفس الواحدة إلا لِعلّة تتطلب العلاج، فالانتماء يكون للبيت وللعائلة وللشارع وللحي وللمدينة، ويكون للعصبة وللزملاء وللقبيلة، ويكون لمشجعي ناد من الأندية أو لجمهور مشهور من المشاهير أو لجماعة تشارك التفضيل ذاته.

الانتماء يسبغ على النفس أمنا وسكينة، ويصنع بيئة للحب، ومحرقة للكراهية، ويهذب الأخذ والعطاء مع الآخر، ويقرب معنى التعاون والإخاء وسائر القيم الاجتماعية، ويأخذ بيد الانسان في طريق الاشتغال بما ينفع الناس، وهو في ذلك كله ينبت السلام في القلب كما ينبت العشبَ المطر.

وهكذا يسير الانسان متصالحا مع نفسه ومع الناس عبر انتماءاته المختلفة إلى أن تعترض طريقه حفرة لم ينتبه لها، حفرة التعصب، ذلك الفخ الذي يقع فيه الانتماء في غفلة من العقل، فيغدو الحب كراهية، والأخذ والعطاء مناطحة، والتعاون والإخاء مهاترة، ويصبح السلام هشيما تذروه الرياح.

العصبية والتعصب نتن يجب علينا حماية انتماءاتنا منه، وهذا وصف من الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الانتماء محضنا من محاضن الحب والسلام فإن التعصب محضن من محاضن الكراهية والعدوان، وإني أفوضكم إن رأيتم مني تعصبا، أن تقولوا قف! أمامك حفرة، فانتبه أن تتردى فيها.

محمد ربيع الغامدي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلام بليغ ومختصر وجزل أتمنى أن يصل صوتك لوزارة الثقافة والإعلام لوضع حد لفن الشيلات الذي بدأ يتضح ويقدح بالعصبية القبلية للأسف !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى