حب الوطن فطرة ، فالوطن حياة ، ولا حياة بدون وطن . هذه الحقيقة تأبى إلا أن تُطل كفرض واجب تُبذل لأجلها الأرواح ، وتُرخص الأنفس في سبيل الدفاع عن الوطن ، وحمايته ، وإعلاء شأنه ؛ إلا أن من لا يحبون الوطن ليس بالضرورة أولئك المعزولين عن الحياة ، أو من يرى مقياس الحب في مقدار ما يأخذ من الوطن ، فأولئك يعانون لوثة مرض نفسي ، أو قل هم بحاجة إلى إعادة صياغة تواجدهم في هذه الحياة ؛ لأن ما يقومون به تأنف منه حتى الدواب التي تحب أوطانها ، وتدفع حياتها في سبيل الذود عنها ، وحمايتها !
نعبر من فضاء أولئك ونحن ندعو لهم بأن يمن الله عليهم بالشفاء ، لنصل إلى فضاء قوم ممن لا يحبون الوطن ، مع أن الوطن أغدق عليهم من فضله حد ” الغرق ” ، ووهبهم من سحائب خيره مالا يمكن لهم معه رد دينه . كان الوطن وفياً معهم ، ولكنهم خذلوه ، قربهم الوطن من دائرة صنع قراره فكانوا بعيدين عن مجال تغطية عشمه ، عوَّل عليهم بدفع عجلة التنمية ، والبناء ، والنهضة ، ولكنهم أكلوه جيئة وذهاباً ، أخذوه لحماً ، ورموه عظماً ، عمروا حساباتهم من خير الوطن ، ووضعوا الوطن في فوهة مدفع المطر ! فبماذا رد عليهم المطر ؟
لقد جاء رده كأبلغ ما يكون الرد ، فالمطر صديق الحقيقة ، رفيق النقاء ، رديف النظافة ، المطر لا ينسى طريقه حتى وإن غير الجشع معالم ذلك الطريق ، وعليه لا يمكن أن يكون لأولئك الفارغين من حب الوطن بقاء في حضرة صوت المطر ! لقد تحدث المطر بأبلغ حديث ، وأبهى صورة ، وأقوى دليل فأظهر تلك الحقيقة التي دأبوا على إخفائها ؛ ليس في موقع واحد من هذا الوطن العزيز بل في كل مدينة كان للمطر حديث الصراحة وإشارة الحسم : هذا ما جناه الفاسدون على الوطن فاقبضوا عليهم ، وانتصروا للوطن !
مدن في أعالي الجبال غرقت ، وأخرى في الساحل جرفت ، ومخططات في بطون الأودية بيعت للمواطن المسكين ، وغاب عنهم أن يسألوه حال البيع : هل تجيد السباحة ؟ ، مطر لساعات أحال الشوارع إلى بحيرات ، فلا تصريف ، ولا بنية تحتية تليق بميزانيات مليارية . جاء المطر ليقول : اسألوا عنها أين ذهبت ؟ صور ، ومقاطع وثقها المواطنون تتحدث بحجم الجرم الذي ارتكبه أولئك في حق الوطن ؛ أقول ذلك وأنا أستحضر صورة دول أقل إمكانات نعم ، ولكنها تنحاز للنزاهة ، تعيش ديمومة المطر ، ومع ذلك لا أثر ؟ فأي جرم ارتكبه أولئك الفاسدون في حق هذا الوطن العزيز ؟! وأي وجه لهم بعد كل ما حدث به المطر يحق لهم معه أن يخرجوا ليتحدثوا عن الوطن ، ومكانة الوطن ، وحب الوطن ؛ وهم من أغرقوه في ساعة مطر ؟ المطر فاضحهم فهل عرفتم لماذا يكرهون المطر ؟!
خالد مساعد الزهراني