حكى الشيخ المنجد – حفظه الله – عن رجل ظل يتابع لمدة طويلة ملفه الذي أضاعه الموظف… إلى أن حانت منه ذات مرة التفاتة إلى الأسفل، ليجد ملفه تحت المنضدة التي يجلس عليها الموظف الذي يبدو أنه لم يجد سوى ملف هذا الرجل المسكين ليسند به منضدته، رغم ما به من أوراق ثبوتية مهمة!
*****
وبعض الموظفين – هداهم الله – يظن أنه صاحب فضل على طالبي الخدمة، وأنهم بحاجة إليه؛ لذا عليهم أن ينتظروا ما شاء الله لهم أن ينتظروا، دون أن يحتجوا أو يسببوا له إزعاجاً، فإذا كان يتحدث بالجوال، أو يطالع صحيفة، أو يتصفح الواتساب أو الفيسبوك، أو يحتسي شاياً أو قهوة، أو يتجاذب أطراف الحديث مع زميله أو زميلته، فقاطعه من يطلب الخدمة؛ نظر إليه شزراً، أو هاج وماج، وربما وبّخه على استعجاله، هذا إن لم يعطِّل له إجراءه!
*****
ومن المعتاد أن تأتي إلى موظف فتطلب منه خدمة ما، فيقول لك بكل برود واستخفاف:
– تعال بكرة!
هذا إذا لم يقل لك:
– تعال بعد أسبوع!
مع أن الإجراء لا يستغرق سوى بضع دقائق! كأنه يستمريء تعذيب الناس، أو يريد أن يثبت أهميته!
ولا يراعي في ذلك كون الرجل الذي أمامه – أو المرأة – ضعيفاً أو مريضاً أو كبيراً في السن، أو ربما مرتبطاً بعمل فاضطر للاستئذان منه!
*****
وبعضهم لا يخدمك حتى ترشيه و(تمسح شنبه) و(تعصر له) – كما يقولون – مبلغا محترماً، فإذا أدخلت يدك في جيبه ورأى الأوراق النقدية اشتعل حماسه، وأنجز لك العمل في زمن قياسي يثير دهشتك، ناسياً أو متناسياً ما جاء في لعن الراشي والمرتشي والرائش (الواسطة بين الراشي والمرتشي)!
*****
ويتعذّر بعض الموظفين ويعللون تسيبهم وإهمالهم لواجباتهم الوظيفية بضعف الرواتب وقلة الحوافز المادية، مع أنهم وافقوا على هذه الرواتب والحوافز مقابل القيام بالمهام والأعباء الموكلة إليهم؛ لأن من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (المسلمون على شروطهم) رواه الترمذي (1352)، و(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) [السلسلة الصحيحة]، وهذه المهام والأعباء أمانة في عنقه، وقد حذّر الله جل وعلا من خيانة الأمانات والتفريط فيها، فقال جلّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].
وإذا كان غير راض بهذا الراتب؛ فالأفضل له أن يبحث عن عمل آخر، بدلاً من أن يعطل مصالح البلاد والعباد!
*****
لكننا نعود فنقول إن مجتمعنا – بحمد الله – ما زالت به نماذج مشرقة في البذل والعطاء واستشعار المسؤلية والأمانة الملقاة على العاتق، فمنهم من يخجلك بإخلاصه، وتفانيه في عمله، وتواضعه وخفضه لجناحه للآخرين، وابتسامته التي لا تفارق وجهه؛ فتخرج منه قرير العين، منبسط الأسارير، داعياً له بالخير والبركة.
*****
شتان بين من يؤدي المهام الموكلة إليه بنفس راضية، تستحضر الأجر والمثوبة من الله تعالى الذي يحب من الناس أنفعهم للناس، والذي من أحب الأعمال إليه سرور تدخله على مسلم؛ شتان بين هذا الذي يحوز رضا الله وثوابه، مصحوباً بثناء الناس ودعائهم، وبين من يفرّط في واجباته، ويشق على الناس، ولا يراعي ظروفهم، فيبوء بسخط الله، ومحق البركة من رزقه، مقروناً بحنق الناس ودعائهم عليه! وفي الحديث: (اتقِ دعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) رواه البخاري ومسلم.
علي صالح طمبل