أقام منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ندوته الأسبوعية ضمن موسمه الثقافي السابع عشر تحت عنوان “الأمن الوطني بين الفكر والممارسة”، باستضافة الدكتور سعود بن صالح المصيبيح الإعلامي والمستشار السابق لوزير الداخلية، وذلك مساء الثلاثاء 1 جمادى الآخرة 1438هـ الموافق 28 فبراير 2017.
أدار الأمسية الأستاذ عيسى العيد عضو اللجنة المنظمة بالمنتدى، مفتتحاً إياها بالإشارة إلى الأهمية الكبرى التي يحتلها الأمن الوطني وما تلعبه مقتضياته في صناعة المشهد الوطني وصياغة خططه وبرامج مؤسساته. وعرف بضيف الندوة الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم النفس التربوي من جامعة ويلز في بريطانيا، وعمل أستاذاً مساعداً بقسم العلوم الانسانية بكلية الملك خالد العسكرية ثم وكيلاً لها، كما عين مديراً عاماً للعلاقات والتوجيه بوزارة الداخلية لمدة تسع سنوات، أصدر ثلاثة كتب “الحرب النفسية” –مشترك- وكتاب “كل شيء ينمو” و “هذا البلد الأمين” وهو كاتب في الصحافة المحلية، كما أعد وقدم العديد من البرامج التلفزيونية، تقاعد مبكراً عن العمل الحكومي بعد خدمة سبعة عشر عاماً ليتفرغ للاستشارات الاعلامية.
بدأ الدكتور المصيبيح ورقته بتقديم أشار فيه إلى الأجواء التي عاشها في الطفولة بحي “دخنة” بالرياض كشاهد للتدليل على مفهوم الأمن القائم على البساطة والتواصل المجتمعي البعيد عن التشنجات والعصبيات الحاصلة اليوم، مستذكراً زيارته للقطيف والأحساء يوم كان طالباً في معهد الامام للدعوة العلمي، وأخرى مع وزير التعليم السابق المرحوم محمد الرشيد. ثم تحدث الدكتور المصيبيح حول الأمن الوطني الذي يقوم على ما أسماه “منظومة الدولة” وهي مجموعة القرارات والأنظمة والاجراءات المتوازنة التي تشمل الجوانب العسكرية والسياسية والتنموية التي توفر استمرارية الدولة، وتوفر الأمن والاستقرار والرفاهية للحياة العامة للناس، مشيداً بمجلس الشئون الأمنية والسياسية ومجلس الشئون الاقتصادية والتنمية كصيغة يقوم عليها الأمن الوطني بالمملكة.
تطرق الدكتور المصيبيح لأكبر مهدد للأمن بالنسبة للملكة في هذه الفترة الزمنية والمتمثل بواقع الحروب في أكثر من دولة عربية وتداعياتها المنعكسة على الداخل السعودي، وكذلك انخراط عدد من شباب هذا البلد بالإرهاب كمهدد آخر للأمن الوطني، مشيراً بأن المملكة عانت مبكراً من الارهاب وذلك منذ عام 1965م مرجعا أسباب هذه الظاهرة للغلو والتطرف والذي ينتهي بالتكفير والتفجير، حيث استعرض الحوادث الإرهابية التي مرت على المملكة منذ ذلك الوقت. وفي جانب آخر استعرض المصيبيح أسباب استهداف المملكة من قبل قوى خارجية قائلاً لريادتها الروحية كونها مركز قبلة المسلمين، وبسبب النفوذ الدولي والكلمة المسموعة للملكة، وما تتمتع به المملكة من موارد طبيعية لا سيما ثروة البترول وقدرتها على التحكم في أسعاره وإنتاجه لكل تلك الأسباب أصبحت المملكة مستهدفة بالإرهاب المدعوم من الخارج.
بعد ذلك شرع الدكتور المصيبيح في تبيان الأسباب الداخلية لانتشار التطرف لدى الشباب السعودي بطرح سؤال جوهري بقوله إذا كان 83% من الشعب السعودي أقل من 39 عاما فماذا أعددنا لهؤلاء لاستيعاب احتياجاتهم البيولوجية والتنموية والنفسية وفرص العمل والدراسة؟، مؤكداً بأنه من خلال تجربته ومعلوماته في ترأسه لجنة المناصحة في بداية تأسيسها لمدة ثلاث سنوات، فإنه لا يوجد علاقة حتمية بين البطالة أو الفقر والالتحاق بخلايا الإرهاب. وأوضح أن التوجه نحو الإرهاب يكون نتيجة فكر منحرف إقصائي يجرى العمل على تزريقه وتعزيزه في عقول الشباب والطلبة ليتحول إلى قنبلة إرهابية، مستنكراً الدور الذي تقوم به الجماعات الدينية المسيسة في نشر الفكر المتطرف المفرخ للإرهابيين، مستشهداً بقول الأمير نايف في الحديث المنشور بجريدة السياسة الكويتية عام 2003 وكذلك ما صرح به وزير التعليم الأسبق الأمير خالد الفيصل من نشر ما أسماه “المنهج الخفي”.
وأشار الدكتور سعود المصيبيح إلى أن من أخطر ما سعى فيه المتشددون هو تحريم ومحاربة كل مظاهر واجواء الترفيه والفنون المختلفة، فانتشرت ثقافة اجتماعية عامة في الشارع والمدرسة تبجل مظاهر وممارسات التشدد الديني، وتقصي الموهوبين في فنون الرسم والتمثيل والموسيقى وغيرها، مما كان له الدور الكبير في تحول العديد من الطلبة والشباب من مسار الفنون إلى مسارات التطرف والارهاب، الأمر الذي أسس لفكرة منهج التربية الوطنية كمقرر دراسي. ومن بين الأسباب التي تطرق إليها الدكتور المصيبيح في انتشار الفكر المتطرف هو الاستخدام الخاطئ للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في إيصال الفكر التكفيري واستمالة الشباب بأفكار خادعة حول أوضاع المسلمين في مناطق الصراع فتستنفر عواطف الشباب للانخراط فيما يسمى بالأعمال الجهادية، مستغلة الجانب الغريزي الانفعالي والجنسي لدى شريحة المراهقين. وأضاف الدكتور المصيبيح بأن إهمال السلوكيات والقيم الأخلاقية في التعامل مع الغير والممتلكات العامة في التربية والتعليم، والتركيز على الحشو والتلقين يعتبر سبباً يساهم بدور كبير في تكريس سلوكيات التشدد في المظاهر السطحية للدين، وعدم تعزيز سلوكيات حسن التعامل مع الآخر وهذه ثغرة تتحملها الجهات المسئولة عن التربية والتعليم ولا بد من العمل على معالجتها.
واختتم الدكتور المصيبيح ورقته ببعض المستلزمات المطلوبة لبناء الشخصية الوطنية التي تؤمن بمفهوم الأمن الوطني المطلوب مؤكدا على أهمية تطوير التعليم أولاً مشيراً إلى التجارب الناجحة للتقدم في اليابان وماليزيا وغيرها التي انطلقت من الاهتمام بالتعليم. ومع إشادته ببرنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي لدعم وتطوير الكفاءات الوطنية غير أنه ذكر بأن البيئة التعليمية المحلية لم تتغير، وثانياً طالب بالاهتمام بالأخلاق مركزاً بالدرجة الأولى بتدريس وتوسيع فقه الاختلاف لدى الناشئة، وثالثاً تدريس مقرر الثقافة الاعلامية لمقاومة الشائعات، ورابعاً انشاء هيئة عليا لوسائل التواصل الاجتماعي تكون تابعة لوزارة الثقافة والاعلام.
بعد ذلك بدأت المداخلات بتعقيب من الأستاذ عبد المجيد العطافي حول وجود تيار مضاد للجنة المناصحة يسبب في إعادة استقطاب المتخرجين من البرنامج، وأشار الأستاذ عبد الرسول الغريافي إلى أهمية دور المدرسة في احتضان الجيل الناشيء وإبعاده عن فكر وسلوك الإرهاب. وأكد لأستاذ فرحان الشمري على أهمية تشخيص الأسباب الناشئة من داخل المجتمع المسئولة عن تغلغل التطرف، وأن أحد عوامل المعالجة هو تدريس فقه الاختلاف والتسامح المذهبي، وتحدث الأستاذ محمد الدعلوج إلى الفرق بين محاربة الارهاب والقضاء على الارهاب مطالباً بتفعيل ما أسماه دور المثلث الوقائي وهو المنزل، المجتمع، والمدرسة للقضاء على الإرهاب.
الاعلامي ميرزا الخويلدي أشار إلى إن الاستغراق في تكريس فكرة أننا مستهدفون من الخارج يعتبر تمويها على الأسباب الحقيقية لظاهرة الإرهاب، والمطلوب هو الالتفات لنقاط الضعف التي لدينا والتي نفذ منها التطرف والتشدد، ونوه الأستاذ صالح العمير إلى أهمية توسيع دور لجنة المناصحة بحيث تعمل بفاعلية أكبر على كافة الفئات في المجتمع المتأثرة بالفكر المتطرف. وأكد الأستاذ عبيد الشمري على أهمية الدور الاعلامي في تعزيز الانتماء الوطني متسائلا عن الدور التي تقوم به وسائل الإعلام المحلية في هذا المجال، وأرجع الأستاذ حسن جميعان انتشار فكر التطرف لسببين الأول هو معاناة المجتمع العربي والشعور بعمق أزمة الهوية، والثاني عدم وجود قراءة جديدة في الخطاب الاسلامي الذي يراعي شروط النهضة.
تساءل الأستاذ عبد الله أبو عزيز عن دور الفكر الديني كسبب في الانحراف الفكري وعن نسبة المستفيدين من برنامج المناصحة، وتحدثت الأستاذة سلوى السيف عن بعض مظاهر الهشاشة في الهوية الوطنية وضرورة معالجتها. وأشار الشيخ حسن الصفار في مداخلته لعاملين رئيسين لتفشي الارهاب هما انغلاق الحالة الدينية حيث لا يزال النص الديني هو مصدر المواقف مع إن النصوص ليست حاكمة بشكل مطلق على كل زمان ومكان، وثانيا سوء الوضاع الاجتماعية والمعيشية. واختتمت المداخلات بكلمة راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب الذي أشار إلى وجود قلق حقيقي من المستقبل من موضوع الإرهاب، بسبب أن معالجة الارهاب لحد الآن لا تتم بطريقة علمية، وأحياناً لا تلامس الأسباب الحقيقية، شاكرا ضيف الأمسية لاستجابته الدعوة للمشاركة بالمنتدى وجميل ما تطرق إليه من نقاط.