المقالات

الرئيس هادي والبداية من الصفر( 2-3 )

التأسيس من البداية ووضع لبنات البناء من اول رص هي المهمة الصعبة التي اوكلت على عاتق الرئيس عبدربه منصور هادي ، ولم تعد تلك المسؤولية محصورة على جانب الجيش او بناء الدولة فقط ، بل انها تشمل العلاقات في الجانب المبني على أسس الروابط المشتركة ، ودعوني اتحدث هنا عن جانب من تلك الجوانب التي بدء فيها الرئيس من الصفر .

الجانب القومي : اتضح جلياً ان الانظمة السابقة والرؤساء الذين سبقوا الرئيس هادي لم يبنوا علاقة مع دول العروبة تقوم على أسس متينة ودعائم قوية منطلقة من الروابط المشتركة والاواصر التي تجمعنا في الجانب القومي ، إذ كان يفترض ان تبنى علاقاتنا مع دول الاشقاء وعلى رؤسها السعودية الشقيقة وفق استراتيجيات وثوابت لا تخلخها مغازي الاعداء الخارجية ولا تعصف بها رياح الخلافات الداخلية ، ولو افترضنا مثلاً ان هناك اخطاء للشقيقة السعودية اقترفتها بحقنا في اليمن فان ذلك لن يكن في اي حال من الاحوال مبرر يجعلنا نتحالف مع إيران ونسمح لها بتهديد الامن القومي لاشقاءنا في الخليج من داخل اراضينا .

على مستوى الصعيد القومي فأن اليمن العربي تجمعه مع الدول العربية علاقات مبنية على نسب متفاوتة يتم قياسها على حسب الروابط ، فالشقيقة السعودية هي اكثر نسبة في العلاقات لأنها اكثر دول عربية تجمعنا بها روابط مشتركة ، فهناك اربع روابط تجمع اليمن مع المملكة السعودية وهي رابطة الاسلام ورابطة العروبة ورابطة الجوار ورابطة المصالح وتتمثل في النسبة الكبيرة للمغتربين اليمنيين على اراضيها بالاضافة إلى مصالح اخرى ،، وتأتي دولة عمان في المرتبة الثانية اذ تجمعها مع اليمن ثلاث روابط هي : الديانة والعروبة والجوار ولاتوجد هناك رابطة المصالح كون دولة عمان لن تسمح للمغتربين اليمنيين ولم تعطيهم فرص عمل بالاضافة ان نسبة مصالح اليمن منها في اي مجالات اخرى تعتبر ضعيفة وضئيلة .
واما بقية دول العرب فان الروابط التي تجمعها باليمن هي رابطة الاسلام ورابطة العروبة فقط ،، وعبر هذا نستطيع ان نعرف نوعية العلاقات التي يجب على اليمن ان يبنيها في الجانب القومي ، فالشقيقة السعودية هي اكثر من تجمعنا بها الروابط ويجب ان تكون العلاقات قوية ومتينة تتخذ على اساسها المواقف التي لا يمكن ان تأثر عليها اي عوامل اخرى .

كما هو معروف ان اعداء الشقيقة السعودية لن يستطيعوا ان يستهدفوا امنها إلا من داخل اليمن ، وكم اظهرت خلافات سابقة بين السعودية ودول اخرى سواءً كانت عربية كليبيا او غير عربية كإيران حالياً ، فإن اليمن هي بوابة الخطر الذي يستهدف نظام المملكة وهو ماجعل اعداءها يتجهون نحوه ويدعمون اطراف فيه لاستخدامهم في تحقيق اهدافهم .

موقف الرئيس السابق صالح حالياً وتحالفه مع الحوثي المدعوم من إيران اثبت ان النظام السابق لم يبني اي علاقات في الجانب القومي مع الجارة والشقيقة السعودية ، وتلك العلاقات التي كان يزعمها صالح في عهد حكمه كانت علاقات تربص ومكر ولم تبنى على الروابط الاخوية المشتركة ، ولو كان صالح بنى تلك العلاقات على أسس قوية لما ارتمى بسهولة في احضان إيران متجاهلاً كل الروابط والثوابت .
إذا تحدثنا بكل صراحة سنقول ان الرؤساء السابقون الذين حكموا اليمن وحكموا السعودية لم يقوموا ببناء علاقات قوية بين البلدين تقوم على الأسس المفترضة النابعة من الروابط المشتركة ، ولعل السبب في ذلك يعود للطرفين معاً ، ان لم يكن في اغلب الاحيان يعود لطرف واحد يتمثل في الجانب اليمني من خلال تجاه رئيسه نحو طرف أخر يستمد منه الدعم لتشكيل الخطر ضد الشقيقة الجارة ، بالاضافة إلى الخلافات الداخلية كالحدود بين البلدين وغيرها والذي كان يتطلب التعامل معه بحكمة وعقول كبيرة ، وليس اتخاذه وسيلة لنشب الحروب وتعميق ثقافة الكراهية والعداوة بين الاشقاء الذين تجمعهم روابط تتعدى اي خلافات وتتجاوز اي اخطاء .

اليمن في عهد الملكية والجمهورية لم تنجح في بناء علاقاتها في الجانب القومي مع الخليج العربي ، ففي عهد الائمة آل حميد الدين انتهت علاقاتهم مع السعودية في حرب بين البلدين والشعبين ، والرؤساء الذين جاءوا منذ قيام الجمهورية كانوا يتجهون نحو دول اخرى لبناء علاقاتهم معهم واتخاذ موقف موحد معها يتضمن مطلعه التوحد ضد السعودية ، وكان الاحرى بهم ان يسعوا لبناء العلاقات القوية مع الجارة فهي التي تستحق التوحد معها والتوجه نحوها ، فذلك الامر فريضة وضرورة توجبه الروابط المشتركة .

صالح هو آخر الرؤساء قبل هادي ، وعلاقاته القومية التي بناها في عهده كانت خاطئة في البداية وكاذبة في النهاية ، فوقوفه مع العراق في عام 90 لا يعتبر موقف قومي سواء كان صدام على حق او على باطل ، فالروابط التي تجمع اليمن بالسعودية ضعف الروابط التي تجمعه مع العراق ، وفي حالة وجود الخلاف بين بلدين تجمعهم رابطة العروبة القومية يتطلب على اي بلد عربي ان يكون ساعي للصلح وتقارب وجهات النظر وإلا يلتزم الحياد وهذا اضعف الايمان ، وعلى كل فان تغذية الخلافات الداخلية وتشجيع طرف ضد آخر هو أمر يتحمل مسؤوليته الطرفان المختلفان في آن واحد والاطراف العربية التي لا تسعى للصلح ، ولو كان صالح صادق في موقفه مع صدام على أساس العروبة والقومية لما وقف اليوم مع إيران ، بل ان صالح في مواقفه الخاطئة تلك كان سبب في تعبئة ثقافة شعبية تحمل الكراهية والحقد وتقف معرقل امام الانسجام العربي القومي لدى الشعب اليمني مع اي شعب عربي آخر .

الرئيس هادي كان موفق جداً في الميول والتوجه نحو الشقيقة السعودية ليبني معها علاقات متينة نتج عنها اتخاذ موقف موحد يتطلب محاربة تحالف إيران داخل اليمن المتمثل بالانقلاب على الشرعية وتحالف جماعة الحوثي وصالح ، وعبر هذا يتضح ان الرئيس هادي بدء من الصفر في الجانب القومي ليكون سبب في تشكيل تحالف عربي وتوحد صف اليمن مع الخليج العربي في مترس واحد وموقف واحد ومصير واحد .

في عهد الرئيس هادي دخلت اليمن مرحلة جديدة من علاقاتها القومية مع الشقيقة السعودية ليفتح الطرفين ملف صفحة جديدة وملف جديد اغلقوا فيه كل الملفات السابقة ، انها علاقات كان يفترض ان تكون من قبل ، فوجودها هو ضمان تحقيق الامن في البلدين واعتبار ان اليمن جزء من السعودية والسعودية جزء من اليمن ، وهذا الاعتبار ما سيجعل تلك العلاقات صامدة إلى الابد .

علاقة اليمن مع السعودية وعلاقة السعودية مع اليمن وتحالف الطرفان مع بعضهما لم يأتي من اجل عيون بعضهم ، بل انه واجب ومفترض اوجبته وفرضته رابطة الديانة والعروبة والجوار …. ولو فهم الشعبين وحكامهما هذا الامر لكفاهم .
محمد عبدالله القادري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى