عبدالحق هقي

قولبة الوسائط

لُجة الأيقونات

منطق الطير: “تتشبع ((العولمة)) وتتغذى من العجرفة الثقافية التي تمنح أصلها من الجهل واللامبالاة تجاه أنساق قيم أخرى وتجاه حقها في الوجود” – المهدي المنجرة
​على المستوى المنظور يُدرك أغلبنا أن العولمة لم تكن تهدف في حقيقتها إلى إيجاد بيئة عالمية مشتركة، تُمثل الأرضية الاتفاقية للتعايش والتفاعل بين أمم تتمايز عقائدها وثقافاتها ورؤاها، وتتضارب أهدافها ومشاريعها ومصالحها -وإن ادعى بعض منظريها ذلك-، بقدر ما كان يُراهن عليها كمرحلة انتقالية لقولبة العالم ضمن سياق ثقافي واستهلاكي واحد، بحيث يَسهل فيما بعد السيطرة عليه وتوجيهه بسهولة، لا لتحقيق مكاسب مادية واقتصادية فحسب، وإنما لفرض رُؤية أيدلوجية وثقافية.
​كان متوقعًا أن تعمل الوسائط التفاعلية والشبكات الاجتماعية على تحقيق تلك الرؤية “القولبية”، وتُسهم بفعل هامشي “الحرية” و”الشك” الكبير، وتشعب العلاقات وحركيتها في التمرد على الأنماط الترابطية التقليدية، والانخراط في منظومة المجتمع الجديد بشكله وقيمه؛ غير أن المفاجأة كانت عكس ذلك تمامًا، بحيث أسهم ذلك الانفتاح على البيئة الجديدة في استيقاظ الحس الذاتي، ونمو الممانعة المجتمعية، فأضحت تلك العوالم بيئة خصبة لإحياء الأيدلوجيات والمشاريع العقدية والفكرية.
​إن الملاحظ في الآونة الأخيرة هو تهافت وسعي كثير من التطبيقات التواصلية ذات الانتشار الواسع في التماثل حد التطابق، والسعي لفرض نمط تواصلي محدد عبر تشابه في الأيقونات والأدوات، حتى بات التساؤل عن جدوى تعدد تلك التطبيقات!!، والذي لا أراه مجرد سعي لافتكاك أكبر قدر من المتفاعلين ضمن تنافس تجاري محموم، بقدر ما أراه نوعًا من تطبيع المرء على التشابه بديلاً عن التمايز، سواء كان ذلك على مستوى السلوك أو التفكير، في محاولة للاستغفال وبعث مشروع القولبة والتنميط من جديد.
​ليس أمامنا كأمة رسالية في ظل حتمية حضور هذه الوسائط في حياتنا، وتآلفنا مع أدواتها وتطبيقاتها، غير التفكير الجديد في التخلي عن قابليتنا للتوجيه الوسائطي وتلقينا السلبي لتحديثاتها، وتسليمنا بما يُخطط له من قبل مبرمجي العقول قبل مبرمجي التقانة، والسعي عبر مشاريع ريادية مؤسسية لابتكار تطبيقات ووسائط تواصلية تفاعلية تُسهم في الحفاظ على هذا التنوع والاختلاف “السنني- الكوني”، وتسعى للعبور بالبشرية نحو عالمية تُؤسس للتعايش المشترك ضمن احترام الخصوصيات..
خبر الهدهد: حرب المجموعة!!

عبد الحق هقي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى