عبدالحق هقي

حرب المجموعة

لُجة الأيقونات
منطق الطير: “الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض” – بول فاليري
​يُخيل لي في أحيان كثيرة أن ذلك التاريخ المذكور في الكتب والمروج في المجالس عن عرب الجاهلية وقبل الإسلام مبالغٌ فيه إن لم يكن مزيف!!، بل يمتد ذلك الشك ليشمل تاريخنا بعد الإسلام وتحديدًا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، فكيف بأمة عُرفت بالشجاعة والكرم والإيثار حتى قبل النبوة تتقاتل لعيون فَرس أو لتحريض امرأة!!، وكيف تضيع المروءة ورجاحة العقل!!، وتذهب أشعار الحكمة والشهامة مع الريح!!، أتساءل في سري: ثمة سر وراء أكمة أولئك الإخباريين!!!.
​لكن ذلك الشك وتلك الحيرة سرعان ما تتلاشى بمجرد فتح الهاتف المحمول، وتحديدًا أمام سيل جارفٍ من مجموعات “الشبكات الاجتماعية”!!، تلك المجموعات التي باتت تغزو أجهزتنا الرقمية وألواحنا الذكية، بلا إذن ودون استئذان، وبات أمر قبولها والانخراط في أفنيتها أقرب إلى الواجب!! وعليه تستمر الصداقات أو تنشأ العداوات!!، والأدهى أنها تتكاثر في مجملها دون حاجة ومبرر، أو وعي وضمير!!، وبلا رؤية أو أهداف!!، كل ما في الأمر أنه مجرد مسايرة للشائع!، وتقليد وعناد.
​قد يتساءل القارئ عن سر الربط بين حروب العرب في جاهليتهم وبين هذه “المجموعات”؟!!، ومع فارق المقارنة واختلاف الظروف فإنه يمكنني القول أن دهشتي وتشكيكي من حديث الإخباريين عن تاريخ العرب قبل الإسلام يتلاشى بمجرد أن أشهد تلك المعارك الوهمية التي يصطنعها رواد تلك المجموعات!!، وأُقلب في الحوارات والملاسنات أسباب خلافهم، فتعتريني دهشة أكبر!!، خصوصًا في مجموعات يدعي منتسبيها الثقافة والعلم والمعرفة!!، أُبصر مليون بسوس، وألف داحس وغبراء وإن تلبسوا لبوس الفكرة!!!.
​إن حروبًا تتلبس الأفكار عن تدليس ومكر وتدعي الحرية والاختلاف أفتك من حروب تقليدية قائمة على العنجهية والجهل، وإن أثر ترسيم الحدود في الأذهان وتقسيم الناس حسب الانتماء والأيدلوجيا، واختلاق العداوات انتصارًا لفكرة مزعومة أخطر من ترسيمها على الأرض وتقسيم الناس حسب الأصول والأعراق؛ ومن السذاجة توهم أن تلك الانفعالات والسلوكات مجرد نزوة عابرة ستُقبر بمجرد مغادرة المجموعة،فلا شك أن أثرها لا يمتد إلى الواقع فحسب، بل على ضوئها تتحدد رؤيتنا للأشياء وتجاه العالم!.
خبر الهدهد: استقالة رمزية!.

عبد الحق هقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى