المقالات

علي خلف الزهراني.. الذهاب نحو حديقة الأحلام

قِلّة منا يصرون على الذهاب إلى أقصى ما يمكنهم الذهاب إليه، ثم لايعودون إلا وهم محملين بتجاربهم الجديدة المتولدة من معاركهم الخاصة مع الحياة.
علي خلف الزهراني ضمن أولئك القلة
فمن مدرسة مستأجرة في أحد أحياء مكة خطف لقبا كبيرا بحصوله على جائزة المركز الأول بجائزة حمدان بن راشد للأداء التعليمي المتميز فئة المعلم؛ ليكسر أسطورة البيئة التعليمية المتميزة والمهيأة، وليؤكد أن الرهان الوحيد في منظومة التعليم على روح المعلم
علي مثال عظيم على الكفاح والقبض على الأحلام، ونموذج جميل لكيفية اختصار المسافات والإصرار على اختراق الواقع صعودا نحو مدارج التميز.
حكاية المبنى المستأجر لمدرسة الإمام الطبري وواقعنا التعليمي المتردي، والجو العام الذي يحيط بمهنة التعليم حاليا ويهيمن على المشتغلين بالتعليم لم تكن التحديات الوحيدة التي تجاوزها بل سبقه محطات كثيرة ومتعددة وبعضها كاف للشعور بالخيبة والانطفاء والذبول.
ولم يصل إلى حديقة النجاح إلا بعد أن مر بمحطات من التعب والفشل واليأس، ولأنه صاحب إرادة قوية لم يطيل الوقوف في هذه المحطات بل تجاوزها بهدوء ٱسر وثقة تستلهم وصبر عجيب بعد الثانوية العامة اتجه علي إلى القطاع الأمني، وعمل في قطاع المرور لكنه لم يكتف بالوظيفة بل واصل تعليمه الجامعي بكل إصرار حتى تخرج من الجامعة بتقدير مقبول .
ثم خاض غمار العمل في قطاع التعليم. من جنوب البلاد مبتدئا بسراة عبيدة، ومن اللحظة الأولى لإتحاقه بالتعليم أبدى نشاطا واضحا وشغفاً كبيراً بما يفعله وتوهجاً لاتخطئه العين؛ حيث كان يدير الأنشطة ويؤلف المسرحيات، ويكتب الأوبريتات، ويخرجها ويعتلي منصات التقديم خلف طلابه إعداداً وتدريباً فحظي بثقة من حوله وتقديرهم رغم حنق البعض.
وفي المخواة واصل رحلة العطاء والكفاح، فكان من أوائل من ذهبوا نحو بث فكر جديد، ونقل حماسته لطلابه، وكون منهم ومعهم فرق عمل في مدرسة نائية جدا حولها قبلة للزوار للاطلاع على تجاربه وعطاءاته، رغم بعد المسافات وسوء الطريق،
وهناك أنشأ مجاميع طلابية، ونادي أدبي طلابي، وتجاوز المألوف، فجعل للنادي صيتاً وحراكاً وجعل مدرسته خلية نحل وميدان تنافس شريف بين طلابه حين جعل الفوز بمنصب رئيس النادي الأدبي الطلابي يمر عبر الانتخاب وصندوق الاقتراع والبرنامج الانتخابي في فترة باكرة جدا،
فكانت التجربة مذهلة بكل ماحملته، وماجرى حولها من إكراهات وعنت. كاد أن يؤدي بها وبحماسته وعطائه،

شق( علي) طريقه نحو الإشراف، وكان عطاؤه الميداني الكبير ومبادراته المختلفة تؤهله، لكن التقدير خذله مجددا  ولولا وجود الأستاذ ( محمد سعد )الذي ٱمن به وبفكره. وبضرورة تجاوز شرط التقدير لأودت به اللجان بعيدا عن هذا الطريق.
وبالفعل التحق بالإشراف التربوي مشرفا للأنشطة، وكان على قدر الرهان، وذهب ببرامج النشاط الاجتماعي ومسابقاته نحو التميز.
وجعل من تعليم المخواة في مجاله سيدة المراكز الأولى في كل عام كان يتطلع للالتحاق بالماجستير لإكمال مسيرته وإرضاء طموحه. لكن التقدير كان يحول بينه وبين الحلم.
غادر المخواة نحو مكة، وهناك جمع كل خبراته ومعارفه، وشارك في إحدى المسابقات لكنه فوجئ بتجاهل تام من قبل لجان الجائزة، رغم يقينه أنه ليس الأسوأ بين المرشحين.
فهو إلى هذه اللحظة لايعرف نتيجة مشاركته تلك، ولم يدع لحفل التتويج ولم يشعر بالمركز الذي حصل، بل لم يمنح حتى شهادة مشاركة فيها
لم يكن هذا كافياً لتفتيت عضده، ولم يجعله ماحدث ينظر للمشاركات والجوائز بعين سوداء.
وأعتبر الأمر حدثا عاديا قد يتكرر معه ومع غيره،
اتجه صوب الخليج وتحديدا جائزة حمدان بن راشد. واستطاع أن يحصد لقب المعلم الأول في الخليج وأثبت أنه أحد القلائل الذين لايضنيهم السير خلف أحلامهم اللذيذة.
عندما باركت لعلي منجزه الكبير كتبت له بحرقة مانصه :
أتخيل لو أنك يا(علي) معلما في فنلندا أو بريطانيا أو أي مكان ٱخر من هذا العالم الفسيح
أتساءل كيف سيكون الحال ؟؟
كم من التقارير التلفزيونية المصورة، واللقاءات الصحفية المطولة، والحوارات الإذاعية المفتوحة ستكون معك،
وكيف ستتحول مادة إعلامية؟
وكم سيطلب ممن حولك شهادات عنك؟
أتخيل منزلكم في مكة قبلة للمصورين والمايكات،
وجوالك لايهدأ من كثرة اتصالات المهنئين،
لكننا للأسف نحتاج إلى الكثير لنتعلم الإلهام؛ لكي نستبدل به حس الإهمال الذي نتمتع به ونجيده.
عندما نتجاهل نماذجنا المشرقة من أمثال علي، ونستذكر النماذج السطحية التي لا تقدم لنا أكثر من السذاجة والتسطيح.
فنحن نؤكد أننا مجتمع خذول، ويذهب نحو الأسوأ .
يحدث هذا رغم أن مجتمعاتنا اليوم بأمس الحاجة إلى إبراز مثلك عرفانا وامتنانا لما قدمته، واستثمار تجارب الناجحين في التصدي للإحباط الذي استفحل وهيمن وترسب في أعماق الصغار والكبار.

 ناصر بن محمد العمري

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button