منذ فترة وجيزة كتبت مقالا وقد اخترت له عنوانا يحمل اسم كتاب الفيلسوف الأمريكي (بول دي مان) “العمى والبصيرة”، وقد بدأت المقال بهذه المقدمة ألا وهي “غالبا ما يخوض المجتمع في قضايا يجهل كثيرا من خلفياتها؛ ولذا نرى في الساحة وعلى كل الأروقة اختلاطا واضحا في الكثير من الرؤى والمفاهيم” انتهت المقدمة.
ودعيت من خلال تلك المقالة إلى نظرة واعية مصحوبة بفهم؛ وذلك من خلال نقد موضوعي للأشياء ومن خلال السؤال والتحاور مع الذات والآخر للوصول إلى المعرفة على حقيقتها، ولا تزال الدعوة موصولة للقارئ الكريم لاسيما بعد أن وجد الكثير منهم مساحة إعلامية ومنصات منبرية من خلال الوسائط الرقمية في الشبكة العنكبوتية ليبث فيها ما يراه مناسبا له ولأهدافه فقط، دون النظر إلى عواقب الأمور ومآلاتها، ولا زلت آمل من الجميع وكلي أملٌ في التقدم نحو الأفضل من خلال ما منح لنا من مساحة؛ لتستغل في إيصال رسالة ذات مضامين هادفة للوطن وإنسانهِ، وقد أفردت عنوانا لهذا الموضوع هو الآخر تحت مسمى (وقفة مع الإعلام الجديد)على اعتبار أن التقنية الحديثة مكنت الجميع من أن يكونوا ضمن الطاقم للإعلام الجديد سواء في برامج التواصل الاجتماعي أو البث الإلكتروني على اختلافه وعلى إثر ذلك رتب معي لقاء في القناة السعودية من خلال برنامج عين ثالثة، وكانت حلقة تربط بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد على أن تستغل كل مساحة إعلامية في الوسائط الرقمية لما هو هادف ونافع؛ وخصوصا أن الساحة الرقمية تموج بالكثير من السلبيات الأمر الذي سعت جهات الاختصاص إلى سن الأنظمة والقوانين التي تنظم ذلك، وتكفل حق الجميع.
إن محاولة التجني ورمي التهم جزافا بطريقة يجهل فيها الإنسان الكثير من الحقائق فهذا ما لا نود ولا نرغب، وبالتأكيد هذا يخالف نظام النشر الإلكتروني ومن قبله القيم والمبادئ والمثل، كما أن الخطاب المتشنج لا يخرج إلا من صدر ضيق أشبه ما يكون طوفانا يجرف معه كل شيء، والسبب يعود إلى كونه يخرج عن عاطفة جياشة لا تدفع إلا لمحاولة الانتصار والمغالبة وإثبات الذات، وهذا ما سيقودنا إلى جدال عقيم لا نفع منه، ولا نصل من خلاله إلى رؤية حقيقة نقف فيها على مسافة واحدة للوصل إلى حلول ترقى والأهداف المرجوة لأي عمل؛ ليقود إلى الأفضل لمعالجة السلبيات والأخذ بكل ما هو ايجابي وجيد، فالخطاب بصورةٍ متشنجة قطعا لا يخدم أي جهة، ليس لأنه متشظٍ ليطال كل الأطراف بل لأنه خطاب تعمية ورجما بالغيب فلا يقود إلى الحقيقة ولا إلى حلول وبدائل، فمن يحمل شهادة وهمية أو مزورة ستكشفهُ الأيام كما أنه سيُعرف من خلال حضوره الثقافي وحسه المعرفي، وإن كنت أنا شخصيا لا أؤمن بالشهادة قد أحمل شهادة عليا لكنني أعجز أن أقدم أي نفعٍ للناس وخصوصا على المستوى الثقافي والمعرفي، إما إن كنا نبحث جادين عن الحقيقة فهي ستتجه حتما إلى الحق وهو ما سيزهق الباطل لأن الباطل قد ينفش بعضه رابيا على السطح لكنه لا يصمد سرعان ما يتلاشى ويذهب، ( فأما الزبد فيذهب جفاء) والأمية ليست عيبا والرسول صلى الله عليه وسلم امتدح بها، ذلك النبي الأمي، فالقراءة التي وجهت إليه حينما تنزل وحي السماء لم تكن قراءة أبجدية بل كانت قراءة كونية لأن التأمل في الكون وفي ملكوت الله معرفة بحد ذاته، ويمكن أن نصل من خلالها إلى المعرفة ودون شهادات عُليا لأن بين الذات والأشياء وسيط متى ما كان مناسبا استطاع الإنسان أن يحرز المعرفة على قاعدة (أفلا ينظرون) والنظرة هنا أخي الكريم ليست النظرة المجردة، وإنما النظرة الفاحصة التي ترى الأشياء وما خلف الأشياء؛ ولذا أُسر كثيرا من الشخصيات الناقدة فعندما تنقل إليه المعرفة قد تستجيب لها وينبثق سؤال آخر لديه، وهنا يحدث الحراك المعرفي والسجالات الثقافية ونصل معا إلى المعرفة وبالتالي نتخلّص من الصد المعرفي الذي تنغلق معه كل الأذهان، والميزان بين الذات والآخر هو القبول والرفض فمتى ما أذن للمعلومة الدخول إلى دائرة الاحتكام، ومن ثم تحليلها بعيدا عن التعصب والتشنج والعاطفة، وصلنا إلى ملتقى الطرق وخلاف ذلك سنظل كطرفي نقيض ولن نلتقي على الإطلاق، أما فيما يتعلق بالدعوة إلى السياحة في منطقة الباحة فحسبي أنني مجتهد، فقد كتبت مقالات عدة ومنها (شدا والإنسان الشدوى) واستلهمت من المكان ابتهالات ذلك الإنسان العظيم حينما كان داعيا بالعون تارة وبالغيث تارة أخرى وهو يقول: ( يالله معونتك .. يا ااااااكريم) فضلا عن أهازيجه التي كان يرددها من إيمان عميق وثقة بالله فيشدو بها حال الزرع قائلا:
(يالله اليوم يا ربي يا معينٌ لطلابه…. يالذي تنبت الحب يابس يوم نذرابه).
وقد دعيت في ذلك إلى إجراء دراسات مستفيضة وجادة من قبل جهات عدة لجبل شدا وما حوله؛ وخصوصا بعد أن صنف الجبل كمحمية يجب الحفاظ عليه، في المقابل لم يفت عليه لقاء سمو الأمير مشاري في قناة العربية عندما وصف غابة رغدان بالغابة الرمز وسارعت للكتابة عن الغابة تحت عنوان (غابة رغدان أسلوب حياة)، واستشهدت في مقالي ببعض من عبارات سموه لعل الرسالة تصل للسائح، وفي مقال آخر كان عنوانه (في معنى ربى الباحة) عندما قال البعض وش في الباحة فقلنا له الباحة هي من تكتسي حُلة خضراء، ذلك الرداء المتعطف على امتداد جهاتها الأربع
وقال شاعرها حسن الزهراني:
فقال حين ارتوى من نهر بهجته
أسرت قلب المعنى يا ربا الباحة
وقد ذيّل مقالي بهذه العبارة ” تلك هي الباحة لمن يسأل ” وش في الباحة “!!؟؟
أما المقال الآخر فهو (في مفهوم السياحة في الباحة) وقد كان عن جبل غيلان الذي يقع في أقصى الشمال الغربي لمنطقة الباحة وقد كنت أضمن كل مقال بمفردات من لهجات الباحة، وكنت أتشرف بذلك، بل إنني كتبت وعلى حلقات ثلاث (ثنائيات المكان في الباحة) وقد وقفت على الكثير الكثير من المعالم، وكذلك لهجة المنطقة واستلهمت من الماضي الساحة التي كانت تقابل كل قرية من قرى الباحة، والتي كانت ملتقى للجميع وما يتخللها طوال العام وصولا إلى زائرها السنوي (فرقنا) وحتى لا يمل القارئ الكريم حاولت أن أصل إليه بأسلوب آخر ليصل إليه وجه الباحة المشرق وأن أنقل طبيعتها وبكل أبعادها وبمفردات باحوية زادت مقالي كل ألق وبهاء، فقد كتبت هذا الأسبوع مقالا بعنوان ( المداليل الجمالية لطبيعة الباحة) وحاولت أن أُقدم لوحة مشهدية تخللها بعض المفردات والملامح الجغرافية للوادي بمدرجاته الزراعية ومزروعاته والقرية القديمة بزخرفها الباذخ والجميل مثل الجون والرعش، وبعض المفردات الأخرى التي تجعل المكان ماثلا بين يدي القارئ الكريم بلوحة فنية وجميلة. الأمر الذي يؤكد حقيقة من اقترب من المكان بقلبه وعقله، خلاف ما يحدث ضجيجا لينقل المجتمع والقارئ إلى حالة مزاجية متشنجة تبتعد عن ثقافة الحوار والمناخ الهادئ.
كل هذا ولازلت أسعى إلى تقديم المزيد وعرض ملامح من الجغرافيا والتاريخ، والوقوف على جوهرها الحقيقي ونقلها بكل دقة وموضوعية لاسيما بعد التحولات التي طالت الكثير من المعالم الثقافية والتاريخية هناك..
عوضه بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد
وفقك الله وسدد خطاك. فقط أريد أن أعلق على موضوع السياحة في الباحة ولأنني من قرية خيرة الشهيرة بشلالها وغابتها فقد أحدث التطوير فيها أضرارا بالغة وحولها من مناظر طبيعية جميلة إلى حدائق صناعية بل أنهم عبدوا شوارع مزدوجة وقضوا على الكثير من الأشجار والغطاء النباتي. السياحة تحتاج إلى خبراء وليس مقاولين