(مكة) – مكة المكرمة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله وإصلاح العمل , وقال في مستهل خطبته : “معاشر المسلمين في عالم يفوج بالفتن والاضطراب ويعج بالفرق والطوائف والاحتراب, كل يدعي الحق واحتكار الحقيقة والصواب, ويرى من نفسه أنه القدوة, وبه تكون الإمة والأسوة”.
وأردف معاليه : ” وهنا تبرز من بين الثنايا قضية من أهم وأعظم القضايا, ألا وهي قضية الأسوة والقدوة والتأسي والاهتداء, والاتباع والاقتداء, هي قضية من أهم وأعظم القضايا وأجلها”.
وأضاف معاليه قائلا ” لقد أولى القرآن الكريم موضوع القدوة اعتماماً وعناية بالغةً, وآيات التأسي والاقتداء في كتاب الله تعالى كثيرة جليلة, وأشهرها الاقتداء بسيد الأنبياء نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله, قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله قدوة حسنة), ولقد عني النبي القدوة صلى الله عليه وسلم بوضع المثل والأسوة أمام أعين الصحابة ونواظرهم, فكان صلى الله عليه وسلم يقول: (( صلوا كما رأيتموني أصلي)) “.
وأشار معاليه إلى أن الاقتداء والمحاكاة غريزة فطرية في الإنسان؛ لأنه اجتماعي بطبعه, فهو يؤثر ويتأثر بمن حوله, وإن للقدوة أركاناً وشروطاً, فأركانها أربعة: المقتدي, والمقتدى به, والمقتدى فيه, ووسيلة الاقتداء, وأهم شروطها؛ الإيمان بالله تعالى؛ لأنه أساس قبول العمل, وثاني الشروط: الإخلاص لله تعالى, ثم الاستعانة بالله؛ فما خاب من استعان بالله, ثن يأتي شاهد الحال؛ وهي موافقة الأعمال والأقوال.
مستطرداً معاليه : “وللقدوة أنواعاً عديدة؛ فمنها: القدوة الحسنة: وهي أطيب الجنى وأشذى الطيوب, ومنها القدوة السيئة: كمن يسلمون مقادة عقولهم لكل زائف مارق, ومنها القدوة المقيدة: وهي تصح لكل واحد يتصف بصفة حسنة, وآخر أنواع القدوة وأجلها وأعظمها: القدوة المطلقة: وتعني الاقتداء بالشخص في كل أعماله وتصرفاته, ولا تصح لأحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تمت القدوة وتألقت في أبهى وأسمى صورها, وأسنى وأجلى مجدها في شخصه عليه الصلاة والسلام”.
وينوّه السديس : “إن من أخطر ما تعانيه المجتمعات محاولة إسقاط الرموز والنيل من القدوات, وهز الثقة بالأسوات, وإن لمواقع التواصل الاجتماعي في ذلك أثراً خطيراً على الناشئة والشباب والأجيال “.
وذكر معاليه “إن ارتباط الأجيال اللاحقة, والناشئة المعاصرة بسلفهم من الأئمة الحنفاء, والقادة النجباء, لمن أهم القضايا التي يعنى بها العلماء والآباء والمربون, ولن يتحقق ذلك إلا بالتعاون البناء بين أبناء المجتمع وأفراده .
ويختتم معاليه خطبة بتوجيه عدة رسائل قال فيها: “فيا أيها الآباء والأمهات: كونوا قدوة لأبنائكم في القول والعمل, ويا أيها العالم الأريب والداعية والخطيب: أن تكون قدوة ذلك أيسر وأسرع في إيصال المعاني وأبلغ من كثير من المواعظ والنصائح القولية, ويا أيها المعلم والمربي: كن قدوة لطلابك ومن تتعهده بالتربية, ويا شباب الأمة وعماد حياتها: تمسكوا بقيم الدين, ومنهج أسلافنا الصالحين, ويا أيها الموظفون: كونوا قدوة في المحافظة على الأمانة والمسؤولية, والمرأة المسلمة: قدوة في صلاحها وحجابها وعفافها وحشمتها وعدم اختلاطها بالرجال, وإن الأمر الذي لا يسأم تكراره, ولا يمل إزجاؤه وإقراراه: تعميق الشعور والمسؤولية بنموذجية وفرادة هذه البلاد المباركة, بلاد الحرمين الشريفين, وجهة البلاد وقدوتها”.