الطبيب كما يطالب بأن يتعامل بإنسانية ، فإن تلك المطالبة يجب ألا تغفل ضرورة أن يجد الطبيب البيئة المناسبة ، والمحفزة ، التي تشعره بالأمان الوظيفي ، وبما يعود عليه بمزيد من البذل ، والتفاني في أداء عمله، ذلك العمل الذي يتعلق بأغلى ما يملكه الإنسان ، حيث الصحة تاج على رؤوس الأصحاء ، لا يراه إلا المرضى.
وفي هذا ، فإن مما أعجب منه ما يعانيه الأطباء من أبناء الوطن ، من واقع طارد ، وتضييق أحال عددا منهم إلى قائمة البطالة ، في وقت تعج المرافق الصحية بالوافدين ، بينما الأطباء من أبناء الوطن يراوحون بين مراجعات هنا وهناك ، لم تسفر عن شيء ، وحال أصابهم بالإحباط ، بعد عناء سنوات من البحث ، والتحصيل ، والنتيجة طبيب ملء السمع والبصر ، ولكنه عاطل .
ولعل ما يعانيه أطباء الامتياز من حال لا يسر ، وتضييق وصل إلى إلغاء رواتبهم ، مما يندرج تحت تلك المعاناة ، التي يعانيها الأطباء من أبناء الوطن ، فتعالوا بنا نبحر في تبعات ذلك القرار ، من خلال استقراء لواقع يعيشه طبيب الامتياز ، مهد لأن يشكو معاناته حتى لطوب الأرض ، والنتيجة مزيد من التضييق ، والإحباط ، ( واللي مو عاجبه لماذا يصبح طبيباً ) ؟!
فقد جاء قرار إلغاء رواتب أطباء الامتياز بشكل مفاجئ ، دون أي اعتبار لكونهم أطباء ، يقضون أكثر من نصف يومهم في المستشفى ، مع ما يضاف على ذلك من مناوبات ، ليصل إجمالي ساعات عمل الفرد منهم 190 ساعة شهرياً – على الأقل – بدون أجر !
فضلا عما يُطالب به من قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ، من أن تتضمن سيرته الذاتية دورات ومؤتمرات ، وورش عمل ، وأبحاثاً علمية ، وحملات توعوية تطوعية وإلزامية ، كل ذلك من جيب الطالب وبتكاليف تزيد عن 30 ألفاً ، يدفعها الطالب ، ولسان حاله : ” ولو كان سهما واحداً لاتقيته ، ولكنه سهم ، وثان ، وثالث ؟!
إن قرار إلغاء رواتب الامتياز ، جاء هكذا دون أن تقدم وزارة التعليم ( صاحبة القرار ) أي إيضاحات عن حيثياته، والأسباب الجوهرية لذلك القرار ، علماً بأن أطباء الامتياز في الجامعات الحكومية يتمتعون برواتب تصرف لهم دون تأخير ، بينما يحرم أطباء الامتياز في الكليات الأهلية من ذلك ، حتى مع كون العمل نفسه ، مع فارق زيادة الأعباء المادية على طالب طب الكلية الأهلية ، فجاء قرار الإلغاء ليجمع عليهم عُسرين ، وعلى المتضرر ركوب موجة المناشدات .
وفي مقارنة بين واقع أولئك الأطباء الدارسين على نظام الابتعاث الداخلي ، وما يتمتع به زملاؤهم ممن يدرسون على نظام برنامج الابتعاث الخارجي ، نجد أنه لا مقارنة بينهم أبداً ، حيث لا يحصلون على شيء من مميزات الابتعاث الخارجي ( الرسوم الدراسية ، التأمين الصحي ، الراتب الشهري للدارس ولعائلته ) .
وفي تسبيب لقرار إلغاء رواتب الامتياز الخاص بطلاب التخصصات الصحية لخريجي الكليات الأهلية ، أنه جاء بداعي أيقاف الهدر المالي ، فكيف نوفق بين ذلك ، وبين طبيعة عمل الطبيب ؟! الذي يُراد له أن يعمل بالمجان، دون النظر إلى كونه إنساناً ، عليه من الالتزامات المادية ما لا يخفى ، فضلا عما يُطالب به الطبيب عموماً ، وطبيب الامتياز بشكل خاص ، من متطلبات وظيفية مكلفة مادياً .
كما أن التفريق بين طالب طب في كلية حكومية ، وآخر في كلية أهلية ، لا يتوافق وكونهم أطباء ، حيث أن جدارتهم تخضع لمقاييس دقيقة ، لا يمكن معها أن تمهد بوجود طبيب غير جدير بشرف هذه المهنة ، وعليه ، ومن خلال تلك الحقيقة ، فكلهم أطباء ، كما يتساووا في الواجبات ، فمن المهم حد الضرورة أن يتساووا في الحقوق .
فطبيب الامتياز عموماً عمله ميداني ، تقع على عاتقه الكثير من الأعباء ، إذ لا فرق في تلك الأعباء بين طبيب امتياز من كلية حكومية أو أهلية ، ورغم كل ذلك فهم يؤدون عملهم بكل تفان وإخلاص ، ولعل في إشادة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – بالأطباء السعوديين ، ما يمثل لهم وسام فخر ، وتزكية ، أمَّن عليها الأطباء الذين عملوا في مستشفياتنا من خارج الوطن .
لنصل إلى أن من المهم – حد الضرورة – إعادة النظر في قرار إلغاء رواتب طلاب الامتياز ، بل ومراجعة تلك الرواتب ، بما يتواءم ومتطلبات طبيعة عمل طبيب الامتياز ، الذي تقع على عاتقه أن يكون طبيباً يؤدي عمله كما هو المؤمل منه ، وفي ذات الوقت يعيش معاناة : طبيب بدون ” راتب ” ، وفال رواتبهم عودة وزيادة .
خالد بن مساعد الزهراني
شكرًا أخي خالد الزهراني علي اهتمامك في قضايا أبناء الوطن وكل ماهو يفيد لمصلحه البلد
مقال رائع صراحة! وزير التعليم اثبت إهماله لشعب الوطن في حالات كثيرة، كفايه عدم تقديره لجهد وعمل طلاب الامتياز اليومي لأشهر عديدة.
بالاضافة ان طلاب الامتياز محرومين من العمل في الوظيفة الجانبية لدفع تكاليف معيشتهم ودراستهم الباهظة الثمن! فالوزير يحرمهم من العمل ولا يدفع لهم مقابل عرق جبينهم (لا يرحم ولا يخلي رحمه ربنا تنزل عليهم).