سجلت اسمها كأول أكاديمية سعودية تنشر بحثا عالميا عن الكيمياء في مجلة ذات تصنيف عال ، تعمل حاليا استاذ مساعد للكيماء الفيزيائية بالكلية الجامعية بالوجه التابعة لجامعة تبوك .
نشرت الدكتورة هند بنت عبدالله الجهني بحثا علميا كشفت من خلاله عن استخدامات واسعة لجسيمات الذهب النانوية في مجلة (Nature Chemistry, Impact Factor 27.893) والتي تعد أشهر المطبوعات العلمية المتخصصة في الكيمياء الطبيعية .
تحدثت لصحيفة “مكة الإلكترونية” عن الإنجاز الذي حققته مؤخرا والعديد من المحاور في ثنايا هذا الحوار ..
سيرة ذاتية حافلة بالإنجازات. ما سر هذا التفوق؟
توفيق الله عز وجل أولا ثم دعاء الوالدين حفظهم الله ثم بدعم من زوجي وأولادي ، بالمواصلة والعزيمة والإصرار لتحقيق النجاح لخدمة وطني هو الدافع الأكبر ، لذا أعتبر أن النجاح الحقيقي هو شعور ذاتي داخلي بتحقيق ما يصبو إليه الإنسان من خير, وزيادة الثقة بالنفس وتنمية القدرات الذاتية الكامنة.
كيف اخترت تخصصك .. هل كان بمحض الصدفة أم رغبة سابقة ؟
“لم أولد وفي ذهني أن أصبح باحثة علميّة” ، فقد كنت أحلم في الواقع بأن أصبح طبيبة، لكن الحياة أخذت منحى آخر معي، فوجدتْ أن من الضروري أن أنظر “باتجاه نافذة أخرى لألتمّس فرصة أخرى” .
والدي رحمه الله ومن بعده والدتي أطال الله في عمرها كانا ذو نظرة ثاقبة وبصيرة عالية وكان لديهما سياسة الاحتواء رغم أنهما لم يحصلا على شهادات عالية إلا أنهما كانا مدرسة في حياة أبنائهما ؛ لذا وجداني ولله الحمد تلك الفتاة التي تتمتع بمواهب وقوى داخلية ينبغي العمل على اكتشافها وتنميتها ومنها الإبداع والذكاء والتفكير والاستذكار, فاحتوياني وعملا على رعاية موهبتي والاستفادة منها بدل أن تبقى معطلة في حياتي.
منذ أن بدأت مسيرتك التعليمية مرورا بجامعة الملك عبدالعزيز، جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وحتى وصولك لجامعة تبوك. ما المرحلة الأجمل بحياتك ؟
بصراحة كل مرحلة أجمل من الأخرى , شعرت فيها بالمسؤولية. بفضل الله ومنته كل تجاربي كانت مثمرة وشيقة؛ حيث تعلمت الكثير خلال دراستي في بيئة احترافية دافعة للإبداع والتفوق؛ حيث كانت لي عدة أنشطة خلال دراستي في جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا ؛ بشكل عام كانت تجربة ثرية ومفيدة لي.
اعتبر محطتي الأخيرة من أصعب المراحل في حياتي ، فقد أعطتني حياتي الوظيفية مادة إنسانية عظيمة والتي تتسم بالاستمرار والانتظام، حيث تصبح التجربة؛ خطوة نحو تشكيل معالم شخصيتنا العملية.
وتمتاز هذه المرحلة بتنظيم وإدارة الوقت وما لهذا الأمر من أهمية في هذه المرحلة، فبت أحدد وقتا لكل شيء، أحدد موعدا الأعمال الإدارية كوني وكيلة الكلية للتطوير والجودة ، كذلك أحدد موعد المحاضرات والقراءة والكتابة والبحث العلمي.
ولاتزال مرحلة العمل من أهم المراحل التي اعيشها حاليا ؛ لأنها تختزل تحول الإنسان من مرحلة التمرين والتجارب النظرية ومقاعد الدراسة، إلى مرحلة الممارسة الفعلية، حيث تتكشف الصور بشكل أعمق وأوسع، ويصبح التمرين الواقعي هو المعيار الحقيقي لطريقة التعامل مع العمل.
لديك العديد من الأبحاث والدراسات المهمة والتي تحتاج للتطبيق .. أين وصلتِ في هذا الموضوع؟
لقد أظهر البحث المنشور في مجلة كيمياء الطبيعة والذي كنت الباحث الرئيسي فيه نتائج واعدة ، استطعت من خلال هذا البحث توضيح الاستخدامات الواسعة لجسيمات الذهب النانوية وذلك من خلال تحقيق الاستقرار فيها والتحكم في حجمها ، والمثير للاهتمام أني استطعت بتوفيق من الله تعالى ثم بدعم من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي سخرت معاملها وامكانياتها الكبيرة والتي تعتبر صرحا عالٍ في مجال الأبحاث من أجل إنجاح هذا العمل ، وأن أصل إلى اكتشاف كيف يمكن لأيونات السيترات العضوية البسيطة، المستمدة من حامض الستريك المتوفر بسهولة، أن تتفاعل مع ذرات الذهب لإنتاج الجسيمات النانوية المستقرة اللازمة لإجراء المزيد من البحوث.
وكذلك تم التوصل لمعرفة التأثير الفعلي لنوع الروابط وطبيعتها من خلال التحكم بنسبة الأيونات الجسيمات متناهية الصغر إلى السيترات.
كذلك وبالتعاون مع الفريق البحثي استطعت أن اظهر الطرق المختلفة لارتباط أيونات السيترات مع سطح ذرات الذهب النانوية.
السيطرة على هيكل الجسيمات الذهب النانوية يمكن أيضا أن يساعد في ضبط تفاعلها مع الضوء واستغلالها في فهم ظاهرة تعرف باسم surface plasmon resonance وهذا قد يسمح بتسخير طاقة الضوء لقتل الخلايا السرطانية كذلك ربط الأجسام المضادة بالجسيمات النانوية وبالتالي توجيهها إلى الخلايا المحددة التي تحتاج إلى العلاج ، تفاعل هذه الجزيئات مع الضوء يعتمد على فهم نوع وهيكل جزيئات الذهب متناهية الصغر ويمكن أيضا أن تسفر عن تطبيقات في الخلايا الشمسية والإلكترونيات الدقيقة.
إن التطبيقات المحتملة للجسيمات النانوية للذهب يمكن أن يكون لها تأثير كبير على المجتمع، وقد يكون فهم مثبتات مثل السيترات دور حاسم لتقدم الأبحاث” .
اتجه العالم إلى “تقنية النانو” في العديد من المجالات الطبية والاقتصادية.. حدثينا عنها وما المكاسب المرجوة من وراء هذه التقنية ؟
تقنية النانو تقنية فتحت آفاق جديدة فــي مختـــلف مجالات الحياة , ومن احد أهم المجــالات الـــتي نجحت فيها هذه التقنية مجال الطب .
و لقد ساعدت تقنية النانو على تغيير طريقة النظر إلى علاج كثير من الأمراض وأعطت أملا كبيرا لشفاء كثير من الأمراض المستعصية.
من التطبيقات الطبية المتعلقة بالتشخيص الدقيق والعلاج عالي الكفاءة كمواجهة أكثر الأمراض فتكا بالإنسان مثل أمراض السرطان ستكون ممكنة بإذن الله في غضون العشر السنوات القادمة وذلك من خلال طب النانو nano- medicine والذي بدأت الكثير من أبحاثه وتطبيقاته التجريبية في الكثير من مراكز الأبحاث حول العالم, وكذلك الكثير من التطبيقات في مجال الرعاية الصحية .
دخلت صناعة النانو حيز التطبيق في مجموعة من السلع التي تستخدم نانو جزيئات الأكسيد على أنواعه “الألمنيوم والتيتانيوم وغيرها “. خصوصا في مواد التجميل والمراهم المضادة للأشعة ، فهذه النانو جزيئات تحجب الأشعة فوق البنفسجية UVكلها ويبقى المرهم في الوقت نفسه شفافا وتستعمل في بعض الألبسة المضادة للتبقع ، كما تتمكن من صنع سيارة في حجم الحشرة وطائرة في حجم البعوضة وزجاج طارد للأتربة وغير موصل للحرارة وأيضا صناعة الأقمشة التي لا يخترقها الماء بالرغم من سهولة خروج العرق منها.
و قد ورد في بعض البرامج التسجيلية أنه يمكن صناعة خلايا أقوى 200 مرة من خلايا الدم ويمكنك من خلالها حقن جسم الإنسان بـ 10 % من دمه بهذه الخلايا فتمكنه من العدو لمدة 15 دقيقة بدون تنفس !!.
باستخدام “تقنية النانو” ماهي أبرز استخدامات الذهب .؟
تعتبر تكنولوجيا النانو والذهب من التقينات المبتكرة على سبيل المثال لعلاج فيروس الكبد الوبائي، الذي يصيب أكثر من 200 مليون شخص حول العالم، حيث اكتشفت طريق جديدة لتشخيص مرض التهاب الكبد الوبائي Hepatitis C من خلال تحاليل سريعة باستخدام اختبار HCV Nano-Gold، تستطيع اكتشاف المرض في أقل من ساعة. وتعتمد هذه التكنولوجيا على مهاجمة الخلايا المصابة فقط وعلاجها.
وفي مجال الطاقة تعكف العديد من فرق البحث في مناطق مختلفة من العالم على ابتكار أجهزة لتخزين الطاقة بصفة عامة، وستساعد تكنولوجيا النانو بإنتاج بطاريات تخزن كميات كبيرة من الطاقة لفترات طويلة والعديد من التطبيقات الأخرى.
ما مدى الاهتمام بالأبحاث من قبل الجهات الرسمية والقطاع الخاص ، تقنية النانو على وجه التحديد؟
إن المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وعضديه سمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي عهده حفظهم الله قد أولوا اهتمامهم بهذه التقنية وأهمية توطينها و الاستفادة منها ، ولا شك أن الجامعات والمؤسسات البحثية تبذل جهوداً جبارة من أجل تذليل الصعاب التي تواجه ذلك التوجه والعمل على التوسع فيه للوفاء بمتطلبات رؤية المملكة 2030.
نعم إننا في أمس الحاجة إلى البحث الاستراتيجي الموجه والمدعوم والذي يكون في كثير من الأحيان يتسم بالسرية التامة إذا كان ذا مساس بالأمن والاقتصاد الوطني.
إن هذا النوع من التوجه يشمل جميع أنواع الأبحاث التطبيقية ذات الأهمية البالغة لأمن واقتصاد ودفاع هذا الوطن الكريم سواء كان ذلك في مجال تقنية النانو أو غيرها من المجالات التي تتسم بالأهمية البالغة.
أما العامل الثاني لدعم أبحاث ودراسات تقنية النانو فهو أن يكون لدى القطاع الخاص من شركات صناعية واستثمارية مزيدا من الحس الوطني نحو إنشاء مختبرات بحث وتطوير خاصة بها أو تقديم الدعم المادي للجامعات للقيام بمشاريع أبحاث تطويرية مشتركة وبالتالي تكون هناك فائدتان لكل من الشركة مقدمة الدعم حيث تستفيد من الأبحاث ومن تسهيلات التدريب وإعادة التدريب لمنسوبيها داخل الجامعات وتستفيد الجامعات من الدعم المادي أي يصبح هناك شراكة مجتمعية تجمع الجامعات مع وسائل التصنيع والإنتاج وبذلك تكتمل حلقة التكامل الذي تتوجه فوائده ونتائجه وتصب في مصلحة هذا الكيان العظيم وطناً وشعباً.
كيف تقيسين مدى الاحتفاء بالمنجزات والأبحاث هنا بالمملكة ؟
بعتبر التكريم مبدأً أخلاقياً تأخذ به المجتمعات والدول المتحضرة،لذا أولت حكومة المملكة العربية السعودية اهتماما بالغا برعاية الموهوبين ، انطلاقاً من سياستها ، التي تهتم بالاستثمار بالإنسان وتنميته بتوازن وتكامل ، ليسهم في بناء الأمة وحضارتها .
فقد أشاد سمو ولي ولي العهد في حديثه التلفزيوني بالشباب السعودي وأنه هو الثروة الحقيقية، وتحدث عنهم بكثير من التركيز والإسهاب لأهمية العنصر البشري ودوره في هذه الرؤية.
مارأيك في مستوى التعليم لدينا .. وماذا ينقصنا؟
لن يمنعني كوني أكاديمية من أن أقول كلمة أعتقد أنها حق ومن قناعة شخصية وتجربة ذاتية قد تكون خاطئة وقد تكون صائبة.
إن من أهم القضايا وأخطرها قضية “التعليم” الذي يمثل الركيزة الاساسية لنهضة المجتمع وتطوره ولا يخفي على أحد أن مستوى التعليم والمؤسسات التعليمية وكيف أنها في تطور مستمر في كل عناصرها العملية التعليمية من التدريب المستمر وتطوير المناهج .
إن الاهتمام بالطالب “ضرورة حتمية” لأنه الاستثمار الحقيقي لمستقبل المملكة ولذلك يجب تشجيع الطلبة المتفوقين دراسيا في جميع المراحل.
لقد تقدمت الدول باهتمامها بالعنصر البشري لأنه هو المورد الذي لا ينضب واليابان مثال حي ، فرغم أنها لا تملك الموارد الطبيعية إلا أنها اهتمت بالعنصر البشري حتى أصبحت في مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا وعلميا.
إن على الجامعات السعودية أن تهتم أكثر “من وجهة نظري” بمراكز البحث العلمي.
ولكنني أستطيع القول وبكل ثقة “إن جامعاتنا ليست الأسوأ ” وبالذات في عالمنا العربي، فالجامعات السعودية تحظى باحترام علمي من أرقى الجامعات مثل جامعة اكسفورد، وكمبرج، وأدنبرا ومانشتير، وبرستول على مستوى بريطانيا مثلاً وهي أشهر الجامعات البريطانية، وهناك اتفاقيات علمية وثقافية وتبادل خبرات وأهم من ذلك الانفتاح على العالم الآخر وما لهذا من الأثر الكبير في دفع العجلة التعليمية للأمام .
بعد المنجزات التي قدمتها المرأة السعودية هل نستطيع القول بأن المرأة السعودية لم تعد مهمشة؟
بطبيعة الحال لا. والدلائل كثر. لأن المرأة السعودية حققت جزءًا ويتبقى عليها الجزء الأكبر واحساسها دائما أنها في بداية الطريق هو دافعها لتقديم المزيد.
و بصفتي مواطنة سعودي تعلمت و تدربت في هذا البلد و تحت قيادة رشيدة وأكرمنا الله بعلم يجب نشره و الاستفادة منه وحيث كانت أحد ركائز رؤية المملكة 2030 أننا نمتلك قدرات استثمارية محركة للاقتصاد تشكل موارد اقتصادية إضافية للبلد ، ولتحقيق الطموح في رفع نسبة الصادرات غير النفطية ، والانتقال في مؤشر التنافسيّة العالمي إلى أحد المراكز الـ (10) الأولى، كذلك ارتفاع حجم اقتصادنا وانتقاله من المرتبة (19) إلى المراتب الـ (15) الأولى على مستوى العالم.
لذا اعتقد أن تقنية النانو و التقدم الحاصل في هذا المجال سيقود إلى مواد ومنتجات ذات خواص مميزة، أي مواد أكثر قوة وأخف وزناً، مواد أكثر صلابة ومرونة، صغيرة الحجم، رخيصة ودقيقة، فاعلة الأداء وقليلة الاستهلاك للطاقة ، العنصر الاساسي في هذه الصناعة هو الجزيئات النانومتريه.
ويعتبر هذا الاكتشاف هو غيض من فيض من حقيقة هذا العالم المتناهي في الصغر بتطبيقاته المتعددة ومجالاته الكثيرة وتقنياته المذهلة.
برأيك. هل ساهم الإعلام الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي بزيادة الوعي ؟
ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي “الإعلام الجديد” بشكل كبير في إثارة وعي الجمهور من خلال الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة لتعديل السلوك بزيادة المعلومات المرسلة، عندها يصبح الجمهور مهتما بتكوين صورة ذهنية من خلال المعلومات والأفكار المقدمة من الجهة القائمة بالاتصال ،والنتيجة أن لهذه الوسائل الافتراضية قوة حقيقية لا يمكن الاستهانة بها مستقبلا، وقد ساهمت في فتح سبل النقاش السياسي والاجتماعي وأزالت الحدود الجغرافية.
شكرا لك . هل من كلمة أخيرة .!
لابد أن نتفق أننا كأكاديميين وباحثين دوافعنا واحدة ألا وهي تحسين مخرجات البحث العلمي بالمملكة ، مع زيادة عدد المبتعثين في مجال الكيمياء وحصولهم على بعض الدرجات الأكاديمية وأيضا بمساعدة أساتذتنا بالجامعات سنحقق مستقبلا واعدا إن شاء لله.
هذا البحث يعتبر الخطوة الأولى فقط وما زال لدينا الكثير إن شاء الله .
الإيمان بالله أساس كل نجاح وهو النور الذي يضيء لصاحبه الطريق وهو المعيار الحقيقي لاختيار النجاح الحقيقي ، والأمل هو الحلم الذي يصنع لنا النجاح ، فرحلة النجاح تبدأ أملا ثم مع الجهد يتحقق الأمل .
أيضا اشيد بدور أولادي وأخص بالذكر المهندس مشاري الثقفي وابني ماجد الذي كان مرافقا لي في اجتماعاتي ، وزوجي الذي رافقني كثيرا في مؤتمراتي ، كما أحب أن اوجه شكري لأسرتي نظير تحملها غيابي وتواجدي لساعات طويلة في المختبر.
واخيرا اعتبر هـذا العمل هو صدقة جارية لوالدي رحم الله من رحل منهم وأمد في عمر من بقي.