يكرمنا الله سبحانه وتعالى بكثير من النعم التي إذا لم نشكرها فقد نفقدها خصوصا أن النعم تدوم وتزداد بالشكر كما قال الله ( ولئن شكرتم لازيدنكم ) فنحن نحتاج الى أن نشكر الله على نعمه باستشعارنا لها وإحساسنا بوجودها وتخيل سريانها في أجسادنا والوعي الدائم بوجود نعم الله علينا وأننا في خير واسع .. حتى ولو أعمانا الشيطان عن رؤية الكثير من النعم وعن استشعار رؤية الخير المخبوء في كل النعم التي تعيش فينا ونعيش فيها في كل وقت وحين وهذا ما حذرنا الله منه حينما قال في كتابه الكريم ( الشيطان يعدكم الفقر ) .
ونجد في عصرنا الحاضر اليوم الكثير من الاستنكار للنعم فتجد الانسان يعيش في خير كثير ولكنه يصف حياته بالبؤس والفقر والنكد وجميع المشكلات .. ولو انه عاد لعقله وتامل ولو للحظات في الخير الذي يكرمه الله به ، بداية من نعمة الاسلام ، مرورا بنعمة الصحة والعافية ، وصولا الى نعمة العقل ، نهاية بنعمة السير خلف الرزق والتوفيق في مناحي الحياة المتنوعة .. فهذه بعض النعم الخارجية وهي كثيرة جدا .
وأما ما يتعلق بالنعم الداخلية فان الانسان يعيش في نعم كثيرة فنعمة الجسد وجميع أجهزته الهضمية والتنفسية والتناسلية والعظمية والجلدية وجميع التفاصيل من عروق يسير فيها الدم وخلايا تسير فيها الأوامر ، وكل التفاصيل التي تؤكد ان في داخل الإنسان خلايا نحل تعمل على مدار الساعة ، وتدور حول قلب يضخ الدم في كافة أرجاء الجسد ، ورئة تضخ الأوكسجين في جميع زوايا الجسد .. وذلك لكي يبقى الإنسان حيا نابضا بكل معاني جودة الحياة .
وانا عندما كتبت هذه الكلمات لا ادعي التخصص ، وانما أحاول ان استشعر جميع النعم التي اكرم الله بها الانسان ، وأحاول ايضا ان اجعل الانسان يعيش في وعي دائم بنعم الله عليه .. تلك النعم التي يعيش فيها الانسان بوعي وبلا وعي ، تلك النعم التي يتحرك الانسان لها او تأتي إليه ، تلك النعم التي يتحكم بها الانسان أو هي من تتحكم به .. وبالتأكيد ان قلب الانسان لو توقف فلن يستطيع تشغيله مرة اخرى لان نبضات قلوبنا لا واعية .
ونعم الله علينا كثيرة ، فنحن نعيش في كرم رباني يصل الى اعلى درجات الرفاهية ، ولقد تحدثت في مقالات اخرى سابقا عن عدة نعم منها ” نعمة المرض “.
وفي هذا المقال سأتحدث عن “نعمة التأقلم” التي تعتبر من افضل نعم الله على الانسان ، فمن خلالها يستطيع الشخص ان يتعايش مع أي بيئة في اسرع وقت .
فالإنسان أكرمه الله بالتكيف مع جميع الأجواء ، وكافة الظروف .. ولكنه كي يتأقلم يحتاج الى صبر ، ووقت كما قال الله في القران ( وتواصوا بالصبر ) وقال في اية أخرى ( وبشر الصابرين ) فمن سيصبر سيتأقلم مع كل جديد في حياته ، سواء كان هذا الجديد زوجة ، أو عمل ، أو دراسة ، أو رياضة ، أو دولة جديدة ، أو بيئة مختلفة ، أو أي لحظة انتقالية من جميع نقاط التحول في شتى جوانب الحياة كثيرة التنوع .
فنحن تمر بنا أربع فصول في العام نتأقلم مع كل فصل فيها ، ونعيش فيه بكل استمتاع ، ولذلك تجدنا نستطيع ان نسافر من اشد البلدان حرارة إلى أشدها برودة ، ونتأقلم في يوم أو يومين .
ونستطيع ان نذهب للعمل أو الدراسة في بيئة جديدة لم نكن نعرف عنها سوى اسمها ، ونتجاوز جميع ظروف اللغة ، والطقس ، والغربة لنتأقلم مع جميع تلك الظروف ، ونعيش بكل استمتاع جميل .
ومن يتأقلم بسرعة فهذا هو الانسان الطبيعي .. اما من يتعب ولا يتأقلم وربما يترك عمله ، او دراسته بحجة تغير البيئة ! والطقس ! والناس ! فهذا لا يخلوا من أمرين : فهو اما ان يكون مريضا ، أو مناعته ضعيفة فهذا لديه عذره الذي منعه من التأقلم .
أو ان يكون صحيحا ولكنه هش الشخصية ، ضعيف القرار ، بسبب اعتماده الشديد على الاخرين ، وعدم ثقته في نفسه .. فهذا ان صبر وترك الباب مفتوحا امام سريان التأقلم في عقله ، وقلبه ، وجسده فسينال ما يتمنى ، ويتأقلم ولو بعد حين .
إما إذا لم يصبر وقرر ترك دراسته او عمله ! وعاد الى مكانه الأصلي فهذا شخص ضعيف لا يستطيع أن يصبر حتى يتخذ التأقلم مجراه فيه .. وإذا استمر هكذا فلن يجني شيء في حياته ، وسيبقى شخص عادي لا يمتلك أي بصمة في الوجود .
حكمة المقال
التأقلم سنة كونية أكرم الله بها الإنسان ، ويحتاج لامتلاكها شيء من الصبر ، وحينها سيجد بان الصعوبات مرت دون أن يشعر بها لأنه استطاع أن يتأقلم مع جميع الظروف الجديدة في حياته .
حمد عبد العزيز الكنتي