(مكة) – المدينة المنورة
أوضح فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة اليوم أن من أعظم نعم الله على العبد أن يجعل له أثراً طيباً يحيي ذكره ويجري به أجره ويمتد به عمره بدوام حسناته بعد موته قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )
وذكر فضيلته : إذا فتح الله لعبده أبواب رحمته ، وفقه لعمل طيب وبارك له فيه وضاعف نفعه وفضله وأخلف عليه في قليله وصغيره ، والعمل الطيب المؤسس بنية صالحة يجعل الأثر يزداد رسوخاً وعمراً وقبولاً .
وتابع فضيلته : وظهور أثر المسلم في حياته وبعد مماته من عاجل بشارات توفيق الله وقبوله سبحانه وتعالى ، ومجالات صناعة الأثر متنوعة وأشكاله متعددة ، يختار كل فرد منها ما يلائم إمكاناته وما يتوافق مع قدراته ومواهبه كما كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالعاقل الحصيف اللبيب هو الذي يترك أثراً بعد الرحيل قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ) ومن سمات صانع الأثر أنه يجعل الأخرة نصب عينيه ويبني باطنه وظاهره ويزكي نفسه وعمله ويوافق قوله فعله قال تعالى : (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )
وأوضح فضيلته أن من سمات صانع الأثر أن مبادئه وقيمه راسخة وحياته متوازنة ، ينطلق واثقاً من نفسه معتزاً بهويته ، والذين يتركون أثراً في الناس والحياة هم الذين يزرعون المحبة والألفة في القلوب وفي الحديث (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ )
وفي الخطبة الثانية أوضح فضيلته أنه يضيع الأثر وقيمته بجرأة صاحبه على معاصي الخلوات والجهر بالمعاصي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا )
وشر صناع الأثر أولئك الذين أوصدوا على أنفسهم باب الحسنات وفتحوا في سجلاتهم سيلاً من السيئات ، يموت صانع السوء ويبقى أثره وزراً عليه ، قال تعالى (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم )
صانع السوء يضر مجتمعه ويهتك ستر وطنه وينتهك حرمة أمته لما يحدثه من إغواء وخداع وتزيين السوء من خلال مواقع إلكترونية يزين بها الشهوات أو منصات ينشر منها الشبهات ودعوة للإثم والعدوان أو ترويج للجرائم أو قنوات مخلة بالآداب والأخلاق قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى, كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا, وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ, كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا)
واختتم فضيلته الخطبة بالدعاء للإسلام والمسلمين وأن يصلح أحوالهم ويقوي عزائمهم في كل مكان وأن وينصرهم بنصره، ويتقبّل شهداءهم، ويشفي مرضاهم، ويجبر كسيرهم، ويحفظهم في أهليهم وأموالهم وذرياتهم اللهم فرج كربهم وارفع ضرهم وتولى أمرهم وعجل فرجهم واجمع كلمتهم يا رب العالمين ، وأن يحفظ ولاة أمور المسلمين وأن يعز بهم الدين وأن يوفقهم لما فيه خير للإسلام والمسلمين ، ولما فيه صلاح البلاد والعباد يا رب العالمين .
3 تعليقات