لعب الشعر دوراً كبيراً في رفع مستوى المجتمعات العربية، وإنهاء الصراعات القبلية وذلك يعود لوجود الشعراء المؤثرين ، فكم من شاعر ارتقى بقبيلته الى اسمى الشرف وآخر اطاح بقبيلته ببيت من الشعر، ويعد شعر العرضة الجنوبية من الألوان الفلكورية التراثية الحماسية التي تقرع فيها الطبول وتحضر فيه السيوف ويستعرض فيه العراضة بالبنادق التي تغطرف بالبارود .
الشعر وطقوس العرضة الجنوبية تجعل المشاهد يعيش معها أجواء جنونية وكأنه في معركة حاسمة تتطلب نصر فريق على آخر ، ولهذا يلعب الشعراء دوراً مهما في ضبط النفس وحل القضايا ببيت أو بيتين من الشعر .
استطلعت مكة أراء بعض المتخصصين حول هذا الموضوع لمعرفة ارائهم عن ما إذا كان شعر العرضة الجنوبية يعالج مشاكل المنطقة الإجتماعية من عدمه .
ناصر بن محمد العُمري يقول إن الشاعر في ثقافتنا العربية ليس مجرد شاعر ينظم علاقتنا بأعظم كنز يمتلكه إنسان، وهو اللغة ، بل يعتبره مرجعا حاسمًا في ثقافتنا العربية و بإمكانه إطفاء فتيل أزمة وإيقاف حرب طاحنة بمجرد إلقاء قصيدة .
مشيرا إلى ما قام به زهير بن أبي سلمى ودوره في تجفيف منابع الفرقة في حرب داحس والغبراء .
ورداً على سؤال هل شعر العرضة الجنوبية يعالج مشاكلنا الإجتماعية ؟ قال العُمري؟
إن الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة كون هذا السؤال يتناول حقبة زمنية ممتدة كان الشعر خلالها يعلو ويخفت ويمارس ادواره في الرقي بالشعور العام للمتلقين سواء الحفاظ على قيم المجتمع العليا وإظهار محاسنها ويحث عليها .
ومشيرا في هذا الصدد إلى الشعر كان يمارس دوره على نحو يليق بمكانة الشاعر والشعر وفي أحيان أخرى كان الشعر سببا في ظهور أمراض إجتماعية حين يتحول إلى شعر سطحي وقول منمق يزينه الزخرف القادم من سطوة الايقاع وجمالية اللحن ، كما أشار إلى أن هذا كان يتجسد هذا من خلال العديد من المظاهر.
و من المواقف التي يتذكرها العُمري في طفولته وتدل على علو كعب شعر العرضة ومكانته وعظيم تأثيره موقف حدث في وادي منجل ، معتبرًا أن هذا الموقف يمثل مثالًا جيدًا لبيان سُلطة الشعر ويبرز مكانته .
مشيراً في هذا الصدد إلى حادثة تؤكد ذلك ، حيث جرت عادة الناس في مواسم الأعراس أن يطلق الناس أعيرة النيران في اتجاهات عدة فرحًا ومباهاة وبهجة ومفاخرة فمن يحول ليل المكان شهبا تضيء ليذكر الناس هذا الزواج حينًا من الدهر ، ولأن الرماية مهارة ومتى مارستها الجموع دون تدريب أو حتى ترو فأنها قد تأتي بكوارث عدة تحيل الأفراح أتراحا وترسم فوق الشفاة الغارقة في الإبتسامة حزنا وسوداوية تغرق المكان بظلامها وهذا ماحدث مراراً ، ولأن للحكومة الراشدة في كل مكان وزمان حضورها الفاعل وسيادتها القوية من خلال سن الأنظمة والقوانين الملزمة التي تقي الناس شر نفوسهم وشر تهورهم ،فقد صدر قانون يمنع اطلاق الأعيرة النارية في مناسبات الزواج والأعياد والختان ونحوها على خلفية سقوط العديد من الضحايا، وكان مُعرّفو القُرى هم المعنيون بمتابعة تطبيق القرار وتهيئة أجواء ملائمة لنفاذه وعياً منهم بأهمية تطبيقه فقاموا بإبلاغ مضمون القرار للناس وكان عليهم أتباع الإبلاغ بالمتابعة والوقوف موقف الحازم أثناء تطبيقه أتى المحك عند أول مناسبة زواج ومن الطبيعي أن ما ألفته النفوس لفترة طويلة تحتاج وقتًا حتى تتركه فكانت مناسبة الزواج الأولى مختبرًا حقيقيًا لتطبيق القرار واختبار سُلطة المعرفين ومتابعتهم للتطبيق لقرار المنع لكن في نفس الوقت كان الناس متعطشون لممارسة طقوس الفرح المرتبطة بإطلاق النيران من فوهات البنادق ابتهاجًا بالمناسبة انطلق أول عيار ناري مدو من فوهة بندقية احد الاعيان، مشيرا إلى أن هذا الزفاف كان لأبنته وفي تلك اللحظة أتبعه البعض بإطلاق النيران من بنادقهم تفاعلا مع المناسبة ، فما كان من أحد مُعرّفي القُرى إلا أن أقتحم المكان منددًا بحزم بهذا الموقف مذكرًا الجموع أن هذا الطقس خطير فوق كونه ممنوعا ومهددا أن من يتجاوز القرار فسيبلغ عنه السلطات المعنية وستناله أشد العقوبات .
وأضاف العُمري أن هذا الموقف لم يرق لوالد العروس وكان شاعرا فأطلق قصيدة هي أشبه بقذيفة من نار أججت سماء المكان وخلقت حالة من التوتر بين أفراد الجماعة حيث طلب فيها من هذا المعرف وجماعته أن يرضوا بالواقع وأن يقبلوا بالرمي أو أن عليهم أن يغادروا المكان ويمتنعوا مستقبلاً عن الحضور معهم ، مذكرًا أن لقريته معرفًا هو من يجب أن يقف هذا الموقف لا أن يأتي معرف قرية أخرى مجاورة ويفرض عليهم مايراه حتى وإن كان رأيه إنفاذًا لتوجيهات عُليا . وحيث أحدث هذا الموقف شرخًا اجتماعيًا كبيرًا وشق صف الجماعة نصفين وشطر الوحدة إلى جزءين تعالت الأصوات وأحتد الموقف فالقصيدة هي بمثابة الطرد أو الرضوخ للأمر الواقع وبلغت الروح الحناجر وأصبح الوضع على وشك أن ينفجر ، وحيث لم يكن أكثر المتفائلين يعتقدون أنه في ظل هذه الأجواء الخانقة وفي ظل هذا الواقع الملتهب أن تنفرج الأزمة وتصفو النفوس،بل كان الجميع يتوقع أن تتطور الأمور للأسوأ والتركيز منصباً على أن ينتهي الجمع المتلاطم بسلام وأن لايتطور إلى تطاحن قد لاتحمد عقباه.
ووسط هذا الموج المتلاطم من الغضب خرج شاعر كهل لكنه ((الحكمة ونور البصيرة ونفعية الشعر ورأس الحكمة والكلمة المجنحة في سماء النضج والروية ، فأستوقف الجميع مستأذنًا في دقيقتي صمت يستمعون فيها لمايقول : أنصت الجميع له فأنداح بعذوبة فائقة مرددًا بصوت متهدج يكاد يتقطع من كبر السن ويوشك أن يغرب في جوف قائله لكنه مازال يتردد صداه في أذني حتى اللحظة وقال :
لاتفرق بين الأخوان ياضيق الصدور
أنحن بني عم وأخوان لو في الجنة حور
يفرح الشيطان حن يجنح العاقل بعلما
لاتقل يا أحمد مع الضيقة هذا حدها
وبعدها صاح الجميع مرددا أهزوجته وتطايرت الأشمغة والعقل في سماء المكان وضرب الزير أرجاء المكان بعنف ونشوة وقسوة فرقص الشجر والحجر والبشر فرحا بتلك الفرجة التي أحدثتها القصيدة في سماء كانت متأججة بالشحناء وتعانقت الأرواح والأجساد في مشهد مهيب وأنطفأت الفتنة وتوجه العقلاء يقبلون رأس الشاعر الكهل بل يقبلون جبين الشعر وريادته وحضوره البهي ، وحيث رقص الجميع على أنغام العرضة حتى تباشير الصباح وعلى هذا النحو كانت ميادين العرضة وقصائد الشعر فرجة حقيقية وجالبة للفرح وميدانًا لإعلاء القيم ونشر المعاني الجميلة .
أما اليوم، كما يضيف العُمري، فمظاهر تردي الشعر والشاعر كثيرة. على مستويات عدة سواء القصيدة نفسها كمبنى ومعنى حيث يهيمن على الساحة واقع شعري رديء حتى أن المتابع يردد ما أكثر الشعراء وأقل الشعر وتردي قيمة القصيدة كفيل بخفض اسهمهما وإضعاف تأثيرها.
ومن أبرز وأخطر ما ابتليت به ساحة الشعر ظهور جيل من الشعراء حولوا الشعر سلعة وميادينه سوق نخاسة باتت فيها القصيدة مصدر دخل بطريقة مسيئة وغابت اليوم عن قصيدة العرضة كثير من جماليات القصيدة التي كانت مصدر قوة وجمال حيث المعاني سطحية والمفردة هزيلة واستعاضت الساحة عن المعنى الغائر والمفارقة الشعرية ولعبة الشقر بالمهاترات وأصبحت هي التي تمنح الساحة أثارتها بعد أن كان تباري الشعراء في ابتكار معنى او التقاط صورة أو او بناء تركيب مدهش هي لعبة الشعراء .
ويؤكد في هذا الصدد أن مهمة شاعر العرضة اليوم باتت عسيرة لأن المتغير الحياتي كبير وشاسع ، فهو مطالب بشعر جديد ينوس في فضاءات جديدة ويقترح مضامين وأشكال جديدة لم تكن مطروحة من قبل وتلتقط ما لانتوقع أن يكون مادة لنص شعري يطلقه شاعر عرضة .
وطالب المهتم بشعر العرضة أن يطرح فكرة مثل حملة انقاذ لشعر العرضة ، وأنه على شعر العرضة ان يغوص في رهانات الشعر اليوم واشكالاته دون خوف من الخطوة الأولى بإتجاه الشعر الذي تفرضه ذائقة اليوم وإيقاع هذا العصر ومزاج أهله.
أما أ.د. عبدالله عيضه المالكي، فقال من جانبه، إن الشعر منذ القدم ، سواء كان في الجاهلية أو في الإسلام ، هو المنبر الإعلامي الموجه لجميع شرائح المجتمع. بأساليبه المتنوعة والمتعددة ، التي تخاطب العقل والوجدان معاً. كان له تأثيره الكبير في غرس القيم والمبادئ الأخلاقية والأعراف الاجتماعية في المجتمع ، من الحث على الكرم والبذل والعطاء ، والشجاعة والإقدام ، والطهر والعفاف ، والنبل والوفاء ، وما هنالك من صفات ومبادئ وقيم جميلة.
مشيرا إلى أن كل ذلك من خلال آلته الحادة المتمثلة في عنصرين أساسيين : المدح ، والذم. ومتى وجد الشاعر البيئة المحرضة له على التجلي والإبداع والمشاركة الفاعلة في الهم الجماعي فإنه يكون حاضرًا جليًا. فالشاعر سواء كان فصيحاً أوشعبياً هو ابن بيئته ، وابن عصره ، وما يدور حوله من هواجس هي المحرضة له على الكتابة والتواجد. والثقافات تتغير ، وتتطور بتغير أساليب الحياة الاجتماعية في كل عصر.
وأضاف أنه في عصرنا مثلاً فوسائل التواصل الاجتماعي تجددت بشكل كبير وتسارعت وسابقت بشكل سريع ، بتسارع الزمن هذا الزمن. فشاعر اليوم لا يمكن ان يقارن بشاعر الأمس في أمور كثيرة منها سرعة وصول صوته وصورته إلى الجمهور المجتمعي في ثوان معدودة ، بينما كانت قديماً مقتصرة على من حضر قصيدته فسمع ، أومايتم تناقله مع الركبان بعد شهور ، وقد يكون بعد سنين .
كما أشار إلى أن التغير الكبير الذي واكب الساحة الشعرية في العشر السنوات الأخيرة تقريبًا شاهد على ذلك ، شاعر اليوم لا يزال يتواصل ويكتب عن هم المجتمع ومن يبحث أو يتابع الشعراء من خلال وسائل تواصل اجتماعي سريعة مكانت متاحة لسابقه من الشعراء ، تويتر فيسبوك ، واتساب ، انستقرام ، سناب بالإضافة إلى «الهاشتاقات» التي تتبنى قضايا تمس المجتمع بشكل كبير وفي قضايا قريبة من هم الناس اليومي وبذلك يكون الشاعر بشقيه الفصيح والشعبي متواجدا ومشاركا في الكتابة عما يهم المجتمع قبل ان يكتب عن همه الخاص الذي هو حق من حقوقه كإنسان.
وقال أن الشعر عموماً فصيحه وشعبيه ، الشعبي بشقيه : القلطة ، والعرضة. هو نوع تأثير في الناس ، بمشاركته الاجتماعية ، وبما تحويه نصوصه من توجيه ، وحكم ، ومواعظ ، وما هنالك من قيم أخلاقية تجاه المجتمع. هذا عند العقلاء من الشعراء منهم ، ومتلقي الشعر ، والمتذوقين له . وقد يكون أحياناً سبباً في إثارة العصبية القبلية ، والتفاخر والمزايدات في البذخ والإسراف والتبذير ، مما قد يؤدي إلى التناحر والقطيعة ، والتنافر والتفكك الاجتماعي والأسري.
أما سعيد الفهمي فيقول إنه يغلب على قصائد شعراء العرضة مدح أصحاب المناسبات التي يُدعون إليها والشخصيات الإعتبارية في المجتمع ويبالغون أحيانا في الثناء عليهم ويرون أن في ذلك رد للجميل في مقابل الأجر الذي يحصلون عليه، مشيرا في نفس الوقت إلى جانب المهاترات والتحديات الشخصية بين الشعراء أثناء اللقاءات وهي مهاترات مقصودة في ذاتها من أجل إثارة حماس الجمهور ، كما وغاب عن الكثير منهم مناقشة القضايا التي تمس الحالة الإجتماعية، مؤكدا إما ان الشاعر لا يملك القدرة على قراءة الأحداث وغيّب نفسه عن معرفة حاجات الناس وبالتالي أصبحت ردة فعله ضعيفه أمام الأحداث . أو أن الشاعر لا يهتم أساسا بقضايا المجتمع لإعتقاده وايمانه أن دوره محدود في جملة من المواضيع وليس من وظيفته مناقشة المشكلات الإجتماعية بحجة أنه يؤدي ويعمل لمن يدفع والاهتمام بقضايا المجتمع لن تعطية ذلك المقابل، أو أن الشاعر يعتقد ان تلك القضايا لا تجد قبول وتشجيع الجمهور إذا طرحت في المناسبات خاصة وانها المساحة الوحيدة تقريبا التي تتيح للشاعر الحضور.
ويضيف أنه بحكم أن أغلب رواد العرضه هم من الشباب الذي تهمه المتعه وفرحة اللحظة فإن المجال والوقت في نظر الشاعر غير مناسبه لطرح مثل تلك القضايا المثالية، لكن في المقابل هناك شعراء كان لهم صرخة قوية وواضحة في طرح مشكلات الناس واشتغلوا على هم المجتمع.. ومثال ذلك الشاعر عبد الواحد الذي انتشرت واشتهرت له الكثير من القصائد الهادفة وكانت تجربته ثرية ولها أثرها الإيجابي .
وحول دور شعر العرضة الجنوبية في علاج قضايا المجتمع قال إن هناك أمثلة على ذلك مثل الشعراء القدامى مثل( إبن ثامره ) والشاعر ( عيفان الجعيرة ) الأول كان يحل مشاكل كبيره بين القبائل وأيضا حينما طلب مبايعة السيد محمد الإدريسي بجازان لدخول غامد وزهران تحت ولايته وذلك في عام ١٣٢٧هـ بعد هزيمة الأتراك وذلك قبل توحيد المملكة تحت علم المؤسس الملك عبدالعزيز ، ولكن ما لبث أن علم شريف مكه بما حصل من مبايعة للأدريسي فأمر بسجن من كان بمكه من غامد وزهران من التجار والعمال والمعتمرين. وعندما حدث ذلك ذهب الشاعر ابن ثامره من ضمن وفد يمثل غامد وزهران واقاموا مخيما بالمعلاه بمكه وطلبوا من الحسين بن علي الحضور بعد ما ابلغوه إنهم جاؤا لمعاهدته ، وبحضور الشريف ارتجل ابن ثامره كعادته والقى القصيدة التي نتج عنها إطلاق سراح السجناء وتكريم الوفد، وكان مطلع القصيدة :
يا سلام الله على الشيخ الذي يكسر خطا بطال
حافظ سده عن الناس ايل بوجهين والبيرق
لي ما رفع ربي دراجه غير من صدقه ومن تقواه
ويده من فوق الايادي والكفوف التاية
مش فوق يالله تخذل كل كافر
من نوى له خاين ومرادي هذه من الأمثلة
وأشار الفهمي في هذا الصدد إلى أن هذه النماذج الشعرية حلحلت أزمات كادت أن تعصف بهم في ذلك الزمن وحلوها بالشعر، معتبرا أن الشاعر لسان قومه إذا ما وظف شعره وأختار المواقف المناسبة لنثر درره لخدمة دينه ووطنه وقبيلته .
مشيرا إلى أنه بعد توحيد المملكة تحت راية الملك عبد العزيز ذهبت تلك النعرات القبلية أدراج الريح وحلها بعد ما نحن نعيشه الآن من رغد العيش في ظل عهد سلمان الحزم ومن قبله أخوانه والخيّرين من أبناء الوطن
أما عن شعراء الجيل الحالي والذي سبقه في الماضي القريب : للأسف فالمعادلة وقواعد ما يسمى بلعبة الشعراء أساءت لشعر العرضة كثيرا وبالطبع لا يحق لنا التعميم هنا لكنا نضع الكل على المحك ونذكرهم ببعض التجاوزات ، ومنها الإخلال بالمواعيد ، وشروط الشاعر على صاحب الحفل ، طلب مقدم ، الحضور عند من يدفع أكثر، بالإضافة إلى اشتراط بعض الشعراء لحضور من من يرغبون في مقابلته في الحفله ، عدم تضمين قصائدهم الشعرية لما يخدم الدين والوطن والقبيلة وإصلاح ذات البين .
ويشير الفهمي في هذا الصدد أيضا إلى إن أغلب الحفلات تقتصر على المديح المبالغ فيه جدا وكأن ما يرف صاحب الحفل الا قصيدة من شاعر أو آخر الى جانب الهبوط بمفردات الشعر والكلمات السوقية الى المستوى المتدني جدا لا يرقى بمتذوقي الشعر ولم يأخذوا في الإعتبار إن المثقفين من الجمهور الحاضرين او ممن يسمع القصائد لاحقا ليس معني بعيوب الشعراء ، ولا من يقصدون في شعرهم لأن هذا لا يهم المتلقي وليس مطلوب من الشاعر أن يفصل الناس حسب ما يراه ومثل ينطبق على الشعراء الذين أحييوا ذلك الحفل فهذه الأمور تعتبر لا أخلاقية ولا تمت للشعر الحقيقي بصلة ، وإنما هي عبارة عن تصفية حسابات بلسان الشاعر فقط وكأنه ملاك ومعصوم عن الأخطاء .
لكن الفهمي يشيد في نفس الوقت بالشاعر محمد بن مصلح رحمه الله ، معتبرا أن بعض قصائدة جميله ورائعه بعد تحرير دولة الكويت ومنها على سبيل المثال: ابن مصلح قال:
ذاك الشر جان العام واليمن
وانت تحسبني مريض وتحسبني من وراء السوء داني
وانا لي جد(ن) ولي عم(ن) ولي بيه
ورد عليها الشاعر القدير عبدالله البيضاني وهو معرف بحبك الردود وغني عن التعريف. حيث قال:
عام الاول يوم جتنا فتنة اهل الشام واليمن
والله انا ما جفينا لا يمانين ولا سوداني
وان موقفنا يشرفنا من الاردن وليبيه .
كما يشيد أيضا بالشاعر عبدالله البيضاني ولذلك لموقفه في مناسبة جمعته بالشاعر محمد بن حوقان عام ١٤١٨هـ حينما رد على إبن حوقان في قصيد جميلة ، وكان محور القصيدة حول مشروع مياه التحلية : وقال رد البييضاني: يا مشروع التحليه نبغي نشوفك قبل عام الفين
تنتظر أطفالنا والشايب اللي منحني عالعاصيه
والحكومة عينها ترعي المواطن ما تجاهله
وانا بتحدث بصوت اقبالي ماني وحيد لحالي
نعمة تشكر تزيد ولا لها قتلُ (ن ) ولو دية
إلى اخر القصيدة وبالفعل جاء المشروع ودخلت المياه الى بيوتنا، ربما كان سبب فنشكره على ذلك
.
كذلك الشاعر القدير صالح اللخمي ، هذا الشاعر له قصائد رائعة جدا وعلى سبيل المثال لا الحصر موت ديانا ، وقصيدته في المتقاعدين، ومقارنته بين الصديق في حزن الضيق بالإضافة إلى الشاعر القدير الدكتور عبدالواحد بن سعود ،وله قصائد رائعه جدا منها سياسية ووطنية وإجتماعية حلت مشاكل كثيره قد لا يعلمها البعض .
ويطالب الفهمي من الشعراء الأفاضل الإرتقاء بالشعر والبعد عن المهاترات وعدم تعجيز أصحاب الحفلات كما يطالب الشعراء بصياغة الهدف في الشعر وصياغة المعنى حتى يتعدى محيطنا الإجتماعي ويكون له اليد الطولى لتصحيح بعض المفاهيم ومعالجة بعض العادات السيئة في كل مجتمع وإصلاح ذات البين وعدم التطرق لعيوب الناس وأعراضهم .
وقال محمد جبران يغلب على قصائد شعراء العرضة مدح أصحاب المناسبات التي يُدعون إليها والشخصيات الاعتبارية في المجتمع ويبالغون أحيانا في الثناء عليهم ويرون ان في ذلك رد للجميل في مقابل الأجر الذي يحصلون عليه.. وهناك أيضا جانب المهاترات والتحديات الشخصية بين الشعراء أثناء اللقاءات وهي مهاترات مقصودة في ذاتها من أجل إثارة حماس الجمهور .. وغاب عن الكثير منهم مناقشة القضايا التي تمس الحالة الإجتماعية.. وفي زعمي أن ذلك يعود لعدة أسباب منها.. اما ان الشاعر لا يملك القدرة على قراءة الأحداث وغيب نفسه عن معرفة حاجات الناس وبالتالي أصبحت ردة فعله ضعيفه أمام الاحداث . أو أنه لا يهتم أساسا بقضايا المجتمع لإعتقاده وايمانه أن دوره محدود في جملة من المواضيع وليس من وظيفته مناقشة المشكلات الإجتماعية بحجة انه يؤدي ويعمل لمن يدفع والاهتمام بقضايا المجتمع لن تعطية ذلك المقابل. أو أن الشاعر يعتقد ان تلك القضايا لا تجد قبول وتشجيع الجمهور إذا طرحت في المناسبات خاصة وانها المساحة الوحيدة تقريبا التي تتيح للشاعر الحضور.. وبحكم أن أغلب رواد العرضه هم من الشباب الذي تهمه المتعه وفرحة اللحظة فإن المجال والوقت في نظر الشاعر غير مناسبه لطرح مثل تلك القضايا المثالية. لكن في المقابل هناك شعراء كان لهم صرخة قوية وواضحة في طرح مشكلات الناس واشتغلوا على هم المجتمع.. ومثال ذلك الشاعر عبد الواحد الذي انتشرت واشتهرت له الكثير من القصائد الهادفة وكانت تجربته ثرية ولها أثرها الإيجابي.
أما عبدالله العلي فحذّر من أن محتوى العرضة الجنوبية في كل الجنوب وأينما كانت المناسبة أجده محتوى خطيرا جدا بات يهدد القيم والأخلاق ويهبط بالمفاهيم السامية هبوطا مريعا.. ولعل اكثر ما يمكن قبوله على مضض هو ذلك المدح المبالغ فيه لراعي الحفل وآله وقبيلته ؛ ثم لا يلبث أن تبدأ ( المحاورة النارية ) التي “يتناطح ” فيها الشعراء وكلا يرى (قرنيه) من فولاذ وقرني خصمه من طين !!ومع صيحات الجماهير التي تربت وتعودت وتشربت ثقافة التفاخر والتناحر وانتقاص الآخر ؛ يزداد حماس الشاعر ويتفنن في انتقاء مفردات لاذعة بذيئة تقوده الى مزيد من الغيبة والبهتان المبين ولا أدل على ذلك من قول أحدهم ( نعرف عيال البطون من الظهور ) في تلميحة غير موفقة لشاعر يعد من الكبار ؛وآخر يصف خصمه بالبهيمة والعنز والبريهه . وأحيانا يتطور (النطاح ) لدرجة الاسفاف المخل بكلام فاحش شوارعي . كنت ان ينبري المثقفون منهم
بتبني ما يهذب النفوس من جميل القول والسمو بالذائقة والتركيز على عدد من القيم والمفاهيم السامية التي تعزز مكارم الأخلاق وبر الوالدين وحب الوطن والحث على طلب العلم وعلو الهمم وأن تبقى ليلة الحفل خير من الف ليلة مما سواها وأن تبقى سلام هي حتى مطلع الفجر . لابد من تغيير مايجري وتوعية الشعراء بدورهم التوعوي ومسؤوليتهم أمام الله والمجتمع عن أمانة الكلمة التي يسمعها الصغير والكبير والمتعلم والأمي . فليكونوا قدوة للجمهور وموجهين له وليس العكس .
من جهته قال جمعان الكرت العرضة منتج بشري قديم توارثته الأجيال تعبيرا عن حالة انتصار أو حالة فرح مثل الزواج، أو مجيء مولود وليس هناك دلائل قطعية عن نشوء العرضة، إلا إنها تطورت في الأداء بتطور البشرية البعض يرى أن العرضة محاكاة للفلاح أثناء سيره ذهابا وإيابا ليوجه مسار الثورين” السانية” داخل المجرة لانتزاع الماء من قاع البئر، لسقيا حقول الذرة، حيث ابتكر أسلوبا ليزيح عنه الملل ويزيد من نشاطه الجسدي ويرفع من روحه المعنوية ويغسل همومه اليومية، البعض يرى بأن العرضة ابتكرها الانسان تعبيرا عن الفرح وقت الزيجة، ورأي ثالث يقول: بأن الفراغ الزمني بين بذر البذور وحصاد الحقول وقت طويل مما دفعه إلى ابتكار هذا النشاط الغير قصدي ليتحول فيما بعد إلى قصدي، أي بشيء من التنظيم في الأداء، الايقاع، التوشح بالأسلحة، فالعرضة يشترك فيها الشاعر والعراض والمتفرج والناقع والزير والمزمار فضلا عن اختيار الباحة المناسبة لممارسة أداء العرضة في انسجام وتوافق بين ايقاع الزير و المشاركين في العرضة أثناء حركتهم على شكل دائري، العرضة تحقق متعة نفسية وجسدية وهي كنوع من الانزياح عن الأعباء اليومية خصوصا وأن عمل المزارع يمتد من بواكير الصباح حتى المساء وحين يتوقف العمل الفلاحي يحتاج الى ممارسة طقوس هي من ابتكاره ، ويمكن القول بأن الشعوب السعيدة هي التي تحقق التوازن بين العمل والفرح. والعرضة بلا ريب تحقق هذه المتعة والدليل على ذلك حرص الكثيرين ومن مختلف الفئات السنية المشاركة والتعبير عن الذات بكثير من الامتنان. قصائد العرضة الجنوبية تأخذ عدة جوانب المدح الذم الوصف الحكمة النصح الغزل وتأتي القصيدة بحسب الموقف الذي يعيشه الشاعر، وبحسب ما دونته الذاكرة وما تحدث عنه كبار السن فقد عالجت بعض القصائد مشكلات اجتماعية ومن بينهم الشاعر محمد بن ثامرة وعبدالله الزرقوي وعبدالله الزبير هؤلاء انهوا أزمات بين قرى وقبائل وطالبوا الناس وقتها بتحكيم العقل، واستجاب الأهالي لدعوتهم لقدرة الشعر التأثير في نفوسهم وتغيير رأيهم، والوقت الحالي اختلفت الطريقة لدى شعراء اليوم باختلاف الظروف الحياتية والثقافية والاجتماعية حيث يتناول الشاعر المشكلات كالغلاء وسوء الطرق والخدمات، والقطيعة بين الأقارب، بأسلوب ذكي لتكون القصيدة بمثابة الرسالة القوية والمؤثرة لتصل إلى المسؤول فالقصيدة أكثر بلاغة وتأثيرا مما يُكتب في الصحيفة، أما لماذا لأن الناس يتداولون القصيدة في منتدياتهم ومجالسهم وتتناقلها الألسن، ومن أبرز الشعراء الحاليين في هذا الجانب عبدالواحد الزهراني وصالح بن عزيز وعبدالله البيضاني ومحمد حوقان وأن كان الشاعر عبدالواحد يكاد يتفرد في هذا الشأن، ومما يعيب على بعض الشعراء الشعبيين المبالغة المجحفة والتي لا تتفق مع العقل ولا تتوافق مع المنطق
لكن عوضه الدوسي يعتبر أن القصيدة في العرضة الجنوبية ذات وقع واثر, وذلك في ضوء موقفها العام فمتى ما اتجهت إلى سياقات خاصة نحو المجاملات وإدراج فئات في الواجهة عنوة دون أن تستحق ذلك المديح والإطراء, فان هذا القسر تخرج قصيدته متعسرة وغالبا ماتلوكها الألسن ويتلجلج فيها اللسان, ولا تنساب كما هي في غيره ,وسرعان ما تضمر وتذبل وربما ماتت في مهدها, لأن الشاعر في غياب تام عن الوجدان والضمير والشاعرية .
مشيرا إلى إن السياقات العامه لمعالجة هموم الناس وقضاياهم هي ما يجعل الشعر شعرا كون الشاعر شعر بالمحيط من حوله وابتعدت عن النطاق الضيق والمحسوبية ولذلك تظل القصيدة عالقة في أذهان الناس لاسيما وهي تلامس القضايا الوطنية وكذا الاجتماعية والإنسانية وحتى تعلي من شأن من يستحق ذلك ,واحسب أن فاعليتها تمتد على مر الزمن وتصبح إيقونة تردد في الأحداث والوقائع المشابهة حتى أنها تبلغ مبلغ المثل ,من هنا نستطيع أن نقول عن الشاعر انه تمكن من إيصال رسالته الحقيقية ويستحق أن يشار إليه بالبنان كشاعر فذ امتطى صهوة الكلمة لتستمر بومضاً بارقاً في سماء القيمة والعطاء, ليس لأنه لامس بعض الجوانب والقضايا في مجتمعه فحسب ,بل لأنه يقف على التفاصيل الجزئية والتي تتجه بشموليتها نحو الإنسان والوطن, وبالتالي فان هذا التوجه سيكون كشفا للواقع والأحداث ومعاناة المجتمع وحتما سيحتذى به إن لم يكن مدرسةً يرجع إليها في الطريقة والأسلوب ونهج يسير في مجال منفسح للهموم الوطنية والاجتماعية وغيرها .
أما القاص محمد ربيع الغامدي، فيؤكد أن معالجة المشاكل الاجتماعية مهارة تحتاج الى الثقافة العالية والى التخصص الدقيق في المرجعية التي تستند إليه جذور المشكلة المستهدفة بالمعالجة، وهي تتطلب أيضا حكمة وبعد نظر فالشعر لوحده لا يكفي، وتلك الثقافة المطلوبة والتخصص المطلوب لا ينحصران في الجوانب الأكاديمية فقد تكون المشكلة المستهدفة متعلقة بالشأن القبلي أو بالأعراف العامة، فإذا امتلك الشاعر ذلك ، أكاديميا أو توغلا في العادات والتقاليد تمكن من إدراج معالجته ضمن قصائده فكان أقرب المعالجين إلى التوفيق لمكانة الشعر في نفوس الناس ، مشيرا في هذا الصدد إلى أن معيض القافري مثلا لم يكن مجرد شاعر عندما يتصدى لحل المشكلات بشعره ، بل كان قبل ذلك مثقفا على معرفة واسعه بأحداث عصره وآداب قومه وعاداتهم وتقاليدهم ، ولعل وسيلته الشهيرة تشهد على سعة اطلاعه وعلى حكمته. وكذلك الحال مع ابي ثمين والزبير وابن ثامره ، حيث جمعوا إلى الشعر عيابا مليئة ثقافة وحكمة.
العرضة الجنوبية تراث عريق يغطي المنطقة الجنوبية كلها لكن لايحظى بالدعم الإعلامي الذي يحظى به فن القلطة .. أسباب يعرفها الجميع ويجهلها الجميع
موضوع في غاية الاهمية والاخوان كفو و وفو واتمنى مناقشة كساوي الشعراء المبالغ فيها