همسات الخميس
الهواية ركن ركين من أركان الاهتمامات الخاصة عند الانسان، لكنها قد تتحول إلى لحسة تحجب مخ صاحبها عن باقة مستحبة من اشتراطات الواقع، أهمية المال وقيمة الصداقة وضرورة المنطق، وقد تخرجه عن مألوف أقرانه، عندما يهتم بأشياء جميلة في واقعها، لكنها لا تساوي شيئا أمام مساطرهم الخاصة.
منذ عام، رأيت في محل لبيع التحف وعاء كبيرا فيه عُلَبُ عصائر فارغة، بعضها لا تكاد تميزه من الصدأ، أخبرني صاحب المحل أن هذه العُلَب لا يقل سعرها عن خمسين ريالا للعلبة، سخرت منه ومن زبائنه يومها، لكني لو علمت أن لحسة الآثار ستمتد الى كتب المكتبات المدرسية لوفرت سخريتي لذلك اليوم.
المكتبات المدرسية التي عرفتها منهلا عظيما لي ولغيري، مذ كنت طالبا وإلى أن أصبحت معلما فمشرفا فرئيس قسم، لم تخذلني يوما، ها هي الان تباع على أنها آثار قديمة في مواقع بيع الآثار، ولست أدري، هل يدفع مثل هذا الحال إلى الغضب أم الى الرضا، إلى البكاء أم إلى الضحك، إلى الشكوى أم إلى الصمت، ولقد آثرت توفير ذلك كله.
توفير الغضب والرضا والبكاء والضحك والشكوى والصمت، ليوم تشخص فيه الأبصار، اليوم الذي ينبش فيه هؤلاء الملحوسون قبور الأجداد، فنشتري سُلاميّاتهم كل سُلامى بخمسين، وكل ترقوة بمِئَة، وكل حرقفة بمِئَتين، والجماجم بالميزان، وجرائد الساقين واليدين بالطقم، كل طقم بخمسمئة.
محمد بن ربيع الغامدي