لُجة الأيقونات
منطق الطير: “يعتقد البعض أن كرة القدم مسألة حياة أو موت، للأسف هذا يجعلني حزيناً…فهي أكثر من هذا بكثير” – المدرب بيل شانكلي.
لعله يتوجب علينا النظر إلى الهوس الكروي هذه المرة بمنظور إيجابي، فهذا الجنون الكروي وحجم الكراهية والتعصب الناتج عنه يخفي حقيقة أن الفوارق في أمة تدثرت بالعصبيات والمذهبيات والعرقيات تزول عند كعب هذا اللاعب أو ذاك، وفي لون هذا الفريق أو منافسه؛ يتناسى جزءًا لا بأس فيه من جمهور الفاتنة الساحرة كل انتماءاتهم التي يتقاتلون دون هدف أو غاية من أجلها!!، ليتفرغوا إلى معركة أخرى لا تقل ضراوة عن معاركهم الوهمية، ولكنها دون أسلحة أو عدد كبير من الضحايا!!!.
تخفت أصوات المدافع وتتلاشى رائحة البارود في التسعين دقيقة هي عمر الشوطين، وتخرس الجدر والألسن فيغيب السباب واللعان وحديث السياسة والمؤامرة، ويرخى شد الحبل بين المؤيدين والمعارضين!، والمتدينين والليبراليين!!، والسنة والشيعة!!، وبين العُروبيين والقُطريين!!، وأنصار الحرب وأعدائها!!، والرأسماليين والاشتراكيين!!، وتنقسم الناس دون هُوية أو وعي إلى فريقين لا ثالث لهما، فيتحول الأصدقاء فجأة إلى أعداء، وينقلب الأعداء برحمة من الله وحكمة إلى أصدقاء.
صحيح أن ذلك الهوس والوهم بسبب غياب الوعي والروح الرياضية، وبسبب التراكمات المتعددة يسبب تصدعات خطيرة في بيئة متصدعة بالأساس، ويمثل حالة من الهروب في مواجهة التحديات الحقيقية المهددة للوجود قبل الحدود، لكنها تشي لنا بأن خلافاتنا التي لطالما تدثرناها في مواجهات زائفة ما هي إلاّ خلافات وهمية، وإلاَّ كيف تزول وتنهار عند صفارة بدء مقابلة (مباراة)!، وكيف تملأ أخبار الجلدة المنفوخة كل ذلك الحيز من تفكيرنا، وتُسهم في توجيه بوصلة انتماءاتنا!!، وتحدد وجداننا تجاه الأقارب والأصدقاء!!.
إن الفكر العربي اليوم لا يجب أن يقف موقف المتذمر من هذا الاتجاه، حيث غزوة الأقدام على حساب الأقلام, وقيادة الملاعب للشارع بدل قيادة مراكز البحث، وتأثير اللاعبين على الأجيال أكثر من تأثير العلماء والمفكرين والأدباء، وإنما على المفكرين والمثقفين إعادة استقراء واقعهم الذي لا يمكن إنكار دوره في تصديع الجبهة الوجدانية والوجودية لأجيال من الأمة، وتسطيح تفكيرها بالنظرة الاستعلائية وتهميش دور الأجيال الجديدة في الإسهام في صنع مستقبلها، والحساسية المفرطة من النقد والتفكير الناقد.
خبر الهدهد: ضياع
عبد الحق هقي