المقالات

لماذا يسجن المبتعثون في دول الإبتعاث ؟

كثير من المبتعثين تعرضوا إما للسرقة أو الاعتداء أو السطو المسلّح، ناهيك عن المضايقات العنصرية ونظرات الازدراء. وقد يحصل في بعض حالات الاعتداء عدم إعلان الأجهزة الأمنية عن المتسببين فيها مما دفع الكثيرين إلى الظن أن المبتعث السعودي لربما مستهدف أو ما يسمى”بنظرية المؤامرة “. وفي الحقيقة الأمر أبسط من ذلك بكثير حيث إن ما يتعرض له مبتعثونا في دول الغرب ما هو إلا حالة مرتبطة بالصدمة الثقافية وهي ما أسميها بمصطلح “الصدمة القانونية” فالكثير من المبتعثين يرسلون بأعداد غفيرة للغرب دون أي تأهيل أمني مسبق أو أي برامج توعوية قانونية. فبعض المبتعثين مثلاً لا يدرك أن مداعبة شعر طفل تعد جريمة تحرش بمجتمعات الغرب، في حين أنها أمر عادي بمجتمعنا وما يزيد الطين بلة أن هناك مبتعثين يظنون أنهم ذاهبون إلى بلاد مثالية ليس فيها قتلة ولا لصوص ولا غش ولا خداع و هذه الصورة الوردية تجدها منتشرة بالذات في أذهان المبتعثين الصغار الذين يبتعثون لمرحلة البكالوريوس حيث إنهم الشريحة الأكثر معاناة ووقوعاً بمشاكل قانونية كثيرة؛ لقلة خبرتهم وعدم توعيتهم بقوانين بلاد الإبتعاث.

منذ سنوات تعرض أحد المبتعثين لعملية قتل إثر قيامه ببيع سيارته بموقع أمريكي شهير يسمى “كريجلست”، كما أن عدداً من الطلبة المبتعثين تعرضوا لحوادث إحتيال من خلال نفس الموقع أثناء قيامهم بعرض أثاثهم للبيع مما وكانت هنالك حالات من السطو المسلح على منزل أحد المبتعثين الذي نشر صور لاثاث شقته في كريجلست بنية بيعها فاستغلت من أحد العصابات للهجوم عليه من شقته والإعتداء عليه بالضرب وسرقة كل ما يملك . الحوادث تكررت و لا زالت تتكرر بعدد من الولايات الأمريكية وكلها كانت ناجمة عن افتراض المبتعث لحسن النية والثقة بالطرف الآخر و الملاحظ من تقارير الشرطة الأمريكية المنشورة حول ضحايا كريجلست أن الطلبة الدوليين في أمريكا هم الأكثر استهدافاً في حالات النصب والاعتداء بما في ذلك الطلبة الصينيين والكوريين والخليجيين والسعوديين ويعود السبب في ذلك إلى حسن نواياهم و ثقتهم الزائدة بالمجتمع الجديد وافتراضهم أنه فاضل مما يسهل على المحتالين الإيقاع بهم فضلاً عن جهلهم بالقوانين التي تحميهم بالبلاد التي يبتعثون إليها .

هنالك الكثير من المبتعثين الذين تم إبتزازهم أو الإيقاع بهم في مطبات قانونية كما ان هنالك الكثير من الحوادث التي أصابت عدد كبير من المبتعثين خلال فترة إغترابهم للدراسة وهذا شي طبيعي في ظل الجهل بالقوانين والثقة العمياء بالغرباء و الملاحظ أنه حال حصول أي حادث لأي مبتعث يبدأ الإعلام عندنا ربما بنقلها بشكل غير صحيح مستغلا شعبية قصة ” المؤامرة” ومما يشجع على ذلك عدم وجود البيانات الكافية في بداية كل تلك الحوادث فقد لا تدلي الأجهزة الأمنية الغربية بمعلومات حول جرائم الاعتداء لأسباب فقد يطالب ذوو الضحايا مثلا عدم إعلان تفاصيل أو قد يحدث أن يكون التحقيق بالجريمة أو الإعتداء لم ينتهِ، وقد يكلف إعلان بعض الحقائق حذر الجاني و إفلاته ولذلك لا تكشف كل الحقائق لمصلحة القضية .

قبل أشهر سمعنا عن حادثة طرد طالب عراقي من رحلة جوية وقد ضخم الإعلام العربي الحادثة وربطها بالعنصرية تجاه الإسلام وقد غاب عنهم أن الصحف الأمريكية مليئة بقصص الركاب الأمريكيين الذين تم طردهم من الطائرات قبيل حتى إقلاعها لأسباب إما مرتبطة بالذوق العام أو الأمن ونشرت NBC News في ١٦ مايو قصة امرأة أمريكية تدعى Maggie McMuffin طردت من الرحلة المقلعة من نيويورك إلى بوسطن بسبب لباسها غير المحتشم .كما قد طردت خطوط طيران شركة أمريكان ايرلاينز إحدى الطالبات المكسيكيات بسبب بلوزتها المفتوحة. لا يمكن الإنكار بأنه قد يجابه المبتعث بالعنصرية والكره ولكن بنطاق ضيق ويكون في العادة خارج نطاق الجامعة وقد لا ينجم عنها أي ضرر جسدي وقد تقتصر على النظرات المستهجنة ، وفي الحقيقة قد لا نستطيع أن نمنع كره البعض لنا كمسلمين و نرغمهم على حبنا ولكننا نستطيع تخفيف حدة مشاكل مبتعثينا القانونية والأمنية من خلال تثقيفهم بقوانين الدول المضيفة لهم قبل سفرهم إليها من خلال كتيبات أو محاضرات بالتعاون مع سفارات تلك البلاد بحيث يلتزمون بالحذر ولا يتعرضون لحوادث إبتزاز نتيجة جهلهم بالأنظمة المعمول بها.

إن تزايد أعداد المبتعثين المتورطين بأمور قانونية في محاكم الغرب ليس ناجما عن انحرافات أخلاقية أو نزعات إجرامية فمعظم المبتعثين هم من نخبة شباب المملكة والذين يدفعهم للعلم طموحهم وأحلامهم بمستقبل أفضل و درجة أعلى في الحياة المهنية وما السبب في تلك الورطات القانونية التي يقع بها المبتعثين إلا قلة الإلمام بقوانين بلاد الإبتعاث والثقة الزائدة لذا يجب تنبيه الطلبة أكثر خاصة بمحظورات التأشيرات الدراسية التي يحملونها وقوانينها حيث لوحظ مؤخرا إلغاء تأشيرات الكثير من المبتعثين منذ أشهر نتيجة مخالفات بسيطة قاموا بها جهلا وليس قصدا .من المهم أن نعرف وندرك بأنه حان الوقت لتوعية أبنائنا المبتعثين قبل إطلاقهم إلى أي دولة للدراسة بكيفية الحفاظ على أنفسهم في الغربة من خلال تعليمهم لقوانين تلك البلاد بما فيها القوانين المدنية والأكاديمية و إرشادهم لاحتياطات أمنية ضرورية في حال وقوعهم بأزمات فقد تكلفهم الغفلة أحيانا حياتهم -لا قدر الله- .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اتفق معك يادكتوره.كوثر فيما جاء في المقال الذي يحكي الحقيقه واوضح اللبس الحاصل . فعلا ان اغلب المشاكل التي يتعرض لها الطلاب او الزوار هي الجهل باالقوانين والعادات والثقه العمياء . شكرا لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى