لُجة الأيقونات.
منطق الطير: “الاتصال في العلاقات الإنسانية يتشابه بالتنفس للإنسان، كلاهما يهدف إلى استمرار الحياة” – فرجينيا ساتير
في ما يشبه حالةً من الذعر والرعب والاستنفار عاش ملايين الناس عبر أنحاء العالم أزيد من أربع ساعات من التوتر في ذهول وترقب، حتى يخال للمرء أنه أمام مشهد “النهاية العظيم”!!، سُكارى وما هم بسكارى، شَخِصت الأبصار وضاقت الصدور!!، وبت تسمع بين ردهات الشبكات التواصلية أنين الفزعين وتأوه المترقبين!!، وما كان كل ذلك إلاَّ نتيجةً لتوقف أحد أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وأكثرها فاعلية (واتس أب)، وهو ما يجعلنا أمام حقائق عديدة صادمة لعل أهمها اثنتين على الأقل.
الحقيقة الأولى: أننا بتنا أسرى لهذه الوسائط لا نقدر على الفكاك منها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التحرر للعيش خارج جلبابها، وهذا لا يتعلق بفئة معينة أو جنس ما، وإنما يشمل الجميع بقدر متفاوت من الاستعمال والتفاعل، والأهم في ذلك أن استخدامنا لهذه التطبيقات والوسائط ليس ترفًا كله أو ملأ فراغ!، وإنما في جزء منه أصبح وسيلة اتصالية تواصلية، تحقق لنا كثيرًا من الاستمتاع في عوالم نحن نختارها وفق رغباتنا المشروعة، وبعض الإشباع في عوالم تختارنا وفق الصلة والرحم والقرابة والصداقة.
الحقيقة الثانية: وهي الأكثر صدمةً وإيلامًا؛ وتتمثل في كيفية استقبالنا لانقطاع أدوات التواصل فيما بيننا وبين استقبالنا لانقطاع العلاقات ذاتها!!، سواء انقطاع العلاقات ما قبل تلك الوسائط أو العلاقات المبنية على رَحِمها الإلكتروني، فبحجم ما ترى ذلك الحماس وتلك الحيرة في فقدان الوسيط، تقابل ذلك البرود والتجاهل في ضياع العلاقات والصلات ذاتها، ما يُؤشر إلى خلل كبير في بناء العلاقات الإنسانية وفلسفة التواصل بين البشر، فهي تتحول بسبب طوفان الاتصالية إلى ما يشبه العلاقات العابرة!!.
إن تلك الحقيقتين وغيرها من الحقائق التي لا يتسع المجال لذكرها باتت مفزعة، إذْ أن الإشكال -كما كنت أذْكر دائمًا- لا يتوقف عند حدود هذه الوسائط وفي رحاب عوالمها، وإنما بالزحف إلى ما تبقى من مساحات مُعايشتنا اليومية وفي ردهات تعاملنا، ما يُسهم في تولد حالة من التناقض والضياع، تؤثر على علاقاتنا الإنسانية الآنية القائمة، وتنذر بمستقبل مجهول للعلاقات الإنسانية المستقبلية، ما لم يعاد النظر في آليات تعاملنا مع هذه الوسائط بذات الفاعلية والحركية.
خبر الهدهد: إضراب الكرامة.
عبدالحق الطيب هقي