نواجه كل يوم إيقاعاً متسارعاً للحياة يجعلنا أكثر انضباطاً وجدية، وقد نحاسب أنفسنا على الصغيرة والكبيرة، أو يحاسبنا من هو مسؤول عنا في المنزل أو العمل على قليل من التقصير ينتابنا، وهذا الضغط انعكس علينا فأصبحنا ممتلئين بالجدية والحزم ولا مكان للتساهل بيننا، حتى إنك تشعر أن بعض الأسر ثكنات عسكرية من شدة انضباطها، وقد تحضر بعض حفلات الأعراس فتحتار هل أنت في فرح أم حزن من هول ما ترى من رسمية متكلفة وضحكات باردة.
وتجالس بعض الأصدقاء فتجد كل شيء لديه له ميزان حتى تشعر لوهلة أنك أمام ضابط مخفر حازم.
هذه المشاهدات وغيرها تنبئ بأن واقع الحياة فرض على الكثير منا هذه الانضباطية الحازمة، وهي قد تكون جيدة في بعض الأماكن، وغير مفيدة في أماكن أخرى، حيث يروى عن الإمام الشافعي أنه انتقد الرسمية في أوقات التنزه والفرح.
وفي عالم الأصدقاء يقال مجازاً «سوء الأدب مع الأحبة أدب»، فإذا لم تمازح أصدقاءك وتضاحكهم لا تشعر بأن صداقتكم أصبحت حميمية وذات قيمة حقيقية في عالم الصداقة.
وإذا ظللت بالملابس الرسمية في كل مكان، فستشعر بأنك رجل آلي، وشخص متكلف للبسمة والرأي والحضور، فلا بد أن تتخلى عن الرسمية، وتترك شعرك مبعثراً لكي تستمتع به عندما تصففه مجدداً لتشعر بقليلٍ من التجديد.
حتى في عالم المشاعر يقال «لا بد لنا من البعثرة في الحياة، فهي التي ستعيد اكتشافنا من جديد»، حقاً. جميل أن نشعر ببعض البعثرة لكي نرتب أوراقنا من جديد.
وفي شأن الأنثى تجدها أحياناً أجمل وهي مبعثرة لخصلات شعرها، وتلطيخ مكياجها على وجناتها، حيث الأنوثة الحقيقية.
حتى الطعام حينما يقدم مبعثراً يكون شكله جميل، فتجد الأرز منتشراً وفوقه البهارات والمكسرات في شكل فريد يجعلك أكثر اشتهاء وشغفاً ومتعة. إنها البعثرة يا صديقي.
ما أجمل أن نشعر بفسحة من الوقت، نغير فيها روتين حياتنا، وننطلق إلى عالم البعثرة الجميل، بعيداً عن التكلف والرسمية المزعجة أحياناً، لنغير واقعنا المزدحم بواجبات الحياة إلى عالم أجمل، يجعلنا نحقق ذواتنا قبل أن نعاود الركض مجدداً في مناكب الحياة.
حمد عبد العزيز الكنتي