لُجة الأيقونات
منطق الطير: “أضْرِبْ بعْضَ الرّأْيِ بِبَعْضٍ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ الصَّوَابُ” – علي بن أبي طالبا
النقد المستمر للسلوك الاتصالي عبر شبكات وفضاءات التواصل الاجتماعي لا يهدف إلى تقويم ذلك السلوك داخل تلك الفضاءات التي على انفتاحها واتساعها ومشاعيتها تبقى تشكل مساحة ضيقة من اتصالنا وتواصلنا –على الأقل في الوقت الراهن– في محيط أوسع وأرحب، وإنما يهدف إلى إعادة النبش في واقع العلاقات الاجتماعية من أجل إثارة عصف ذهني يشرح تلك المفارقات التي نحياها، على أمل إعادة التوازن للفرد التائه في زحمة الانفتاح والتشظي من أجل العبور إلى المساحات الإنسانية الآمنة.
يسعى الكثير من الناس بمختلف أجناسهم وأعمارهم ومستوياتهم التعليمية وأفقهم الثقافي لإنشاء روابط ومجموعات وفضاءات تشاركية، تختلف أهدافها ويتباين أعضاؤها، غير أن السمة المشتركة على ما يبدو هي (سلوك المدير)!!، فالغالب الأعم أن ذلك الشخص بعد أن يجمع تلك الأطياف المنوعة من البشر يحاول فرد عضلاته وممارسة سلطته الوهمية، متناسيًا أن تلك الفضاءات ما هي إلاَّ مساحات جماعية وفق عقد اجتماعي ضمني جديد، يتنازل فيه المنتسبون طوعًا بجزء من حريتهم لصالح مجموع المجموعة لا فرد “مديرها”.
كثيرٌ من الممارسات التي بات أغلبنا يعيشها أو يلاحظها في مجموعات (الواتس أب) و(الفيسبوك) وغيرهما لا شك أنها تعكس خللاً في تركيبة الذهنية العربية، ابتداءً من الإضافة التي عادة ما تكون عشوائية ودون استشارة الشخص المرغوب إضافته، وانتهاءً بالإزالة!، والتي عادة ما تكون بإرادة منفردة لسمو (المدير)!، حسب هواه وأهوائه، ضاربًا بعرض الحائط ذلك الرابط الأخلاقي الناشئ بين الفرد والمجموعة، وحق المجموع في تقرير أحقية بقاء فرد أو مغادرته، وبينهما الكثير من الممارسات الكاشفة لعقد التسلط والتحكم وفرض الرأي.
إن تلك الفضاءات والعوالم بقدر ما جاءت كاشفة وفاضحة لسلوكيات باتت في حكم التأصل بحياتنا، بقدر ما أسهمت أيضًا في تكريسها وتعميقها، لتتجاوز أطر الجماعة الضيقة والجماعة الممتدة، وتعمق الأزمة داخل الفرد، الموهوم بمركزيته ومحوريته!!، فبعد أن حققت تلك السلط الرمزية التي تتيحها التقانة في الفضاءات “الافتراضية” نوعًا من الإشباع الغريزي الميال للتحكم والسيطرة، حان وقت نقل تلك السلط الهلامية إلى فضاء الواقع، ما ينبئ بخطر على “ذات الفرد” المنتشية، والتي ستصطدم بالرغبة الجماعية الجموحة للسيطرة وتنكفئ على ذاتها.
خبر الهدهد: رمضان تقانة.. خواطر الأسبوع الأول
عبد الحق هقي