اقتضت حكمة الله – عز وجل – أن يفاضل بين الأمم والأجناس، وبين الأزمنة والأمكنة. ورتب على ذلك أحكاماً وسنناً. ومن الأمكنة التي فازت بالحظ الأوفر من الفضل والعظمة مكة أم القرى، منبع الوحي، ومهد الرسالة، التي لا يجهل فضلها ومكانتها أحد من المسلمين، نوه بها القرآن في مواطن كثيرة فأقسم بها الله تعالى في قوله } لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ{ وعظم شعائرها وحرمتها.
ومن فضل الله على أهل هذه البلدة المباركة وخصائصها: أن فيها الكعبة المشرفة وقد جعل الله تعالى بعض أجزائها من الجنة كالحجر الأسود، فإنه من الجنة والمقام من الجنة، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، ومن فضائل هذه البلدة المباركة وخصائصها أن المسجد الحرام هو أحد المساجد التي تشد الرحال إليها .
وقد خص الله هذه البلدة الكريمة بمضاعفة أجر الصلاة فيها مضاعفة كبيرة عن الصلاة في غيرها، فهي أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد .
روى أحمد وابن ماجة عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه”.
وكذلك روى أن الصيام يضاعف في الحرم، وفي سنن ابن ماجة، عن ابن عباس مرفوعاً : ” من أدرك رمضان بمكة فصامه وقام ما تيسر كتب الله مائة ألف شهر فيما سواه ” .
ومن فضائل مكة المشرفة أن جعلها الله سبحانه وتعالى بلداً آمناً منذ أن أسسها سيدنا إبراهيم عليه السلام مع ولده سيدنا إسماعيل عليه السلام، ثم ببناء الكعبة المشرفة فيه، على المكان الذي أعلمه الله به، وأنزله فيه. وقد أقسم الله سبحانه وتعالى بمكة المكرمة البلد الحرام، فقال سبحانه وتعالى في سورة التين : (وهذا البلد الأمين) أي البلد الكثير الآمن. وقال تعالى في سورة البقرة : (وإذ قال إبراهيم رب أجعل هذا بلداً آمنا وأرزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ). وقال تعالى في سورة البقرة أيضا : (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) .
وامن مكة الكريمة قد تناول ظاهرتين :
الظاهرة الأولى : ظاهرة تكوينية، إذ حمى الله جل جلاله مكة المكرمة بجبالها، وطبيعة تكوينها من البراكين والزلازل
الظاهرة الثانية : ظاهرة تشريعية، وقد دلت عليها الكثير من الآيات القرآنية والتي أشرنا إلى بعضها عالية .
وقد زخرت آيات القرآن الكريم والسنن بفضائلها، وبيان مكانتها، وهذه مجموعة من الفضائل والخصائص لمكة المكرمة شرفها الله، نذكر هنا عدة فضائل وخصائص لهذا البلد على وجه العموم :
أولاً : حرمة مكة والنهي عن استحلالها
إن الله سبحانه وتعالى اصطفى هذه البقعة الطاهرة وحرمها منذ خلق السموات والأرض
وعن أبي شريح الخزاعي العدوي رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال : ” إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ولا يعضد بها شجرة…” رواه البخاري ومسلم
ثانياً : حرمة الدماء والأموال والأعراض
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي عليه السلام بمنى ” أتدرون أي يوم هذا؟ ” قالوا ” الله ورسوله أعلم، فقال : ” فإن هذا يوم حرام أتدرون أي بلد هذا ؟ ” قالوا الله ورسوله أعلم : قال بلد حرام، أفتدرون أي شهر هذا ؟ ” قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : ” شهر حرام ” قال : ” فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا “، رواه البخاري ومسلم
ثالثاً : خير البلاد وأحبها إلى الله
لقد وردت النصوص الشرعية المثبته ان هذا البلد الحرام هو أفضل البلاد وأحبها عند الله – عز وجل – وعند رسول الله (r) .
رابعاً : حب رسولهالله وأصحابه لها
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قدمنا المدينة وهي وبيئة، فاشتكى أبوبكر، واشتكى بلال، فلما رأي شكوى أصحابه قال : ” اللهم حبب إلينا المدينة، كما حببت مكة أو أشد. ، وبارك لنا في صاعها ومدها، وحول حُمَّاها إلى الجحفة”، رواه البخاري
خامساً : أنها أرض بارك الله فيها
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة “، رواه البخاري ومسلم .
سادساً :مضاعفة أجر الصلاة في المسجد الحرام
إن المسجد الحرام بمكة المكرمة لما كان أول بيت وضع للناس، أكرم الله تعالى المصلين فيه بمضاعفة الصلوات فيه إلى أضعاف كثيرة. وهذا فضل عظيم لهذا البيت الكريم من الله الرؤوف الرحيم لعباده المؤمنين المصلين .
سابعاً : تحريم دخول الكفار والمشركين الحرم
هذه خاصية من خصائص الحرم بلد الله الآمن، فلا يجوز مطلقاً أن يمكن كافر أو مشرك من اليهود والنصارى وغيرهم من دخول بلد الله الحرام، لأن المشركين نجس، وبلد الله مطهر مقدس، فنجاستهم وكفرهم تمنعانهم من دخول المسجد الحرام .
ثامناً : عصمتها من دخول الدجال
لقد اكرم الله عز وجل – بلده الأمين مكة وبلد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بأن لا يدخلها الدجال، وهيأ لهما من ملائكته من يحميها منه فلا يتمكن الدجال من دخول مكة حرم الله وبلده الآمن .
تاسعا : رجوع الإيمان إلى مكة وانضمامه إليها
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (إن الإسلام بدأ غريباً وسيكون غريباً كما كان، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها) رواه مسلم .
عاشرا : قسم الله تعالى بها في كتابه
لقد أقسم الله سبحانه وتعالى بالبلد الحرام في آيات عديدة من كتابه الكريم، دلالة على عظمة المقسم به، وتنبيهاً إلى مكانته ورفعة منزلته عند الله سبحانه وتعالى، قال تعالى ( والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين ) . والتعبير بهذه الصيغة يدل على عظيم شأن هذا البلد الحرام، فقد عظمة الله سبحانه وتعالى حين أقسم به
وبجانب ما أشرنا من فضائل لمكة المكرمة، هناك فضائل أخرى، ومنها ما قالته الصديقة بنت الصديق، رضي الله عنه .. وجاء عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خلق الله مكة فوضعها على المكروهات والدرجات ” وقيل لعيد بن جبير : ما الدرجات ؟ قال الدرجات الجنة
ومن فضائلها أيضا : ما جاء في قوله تعالى حكاية عن دعاء أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: (وإذ قال إبراهيم رب أجعل هذا البلد آمناً وأجنبني وبني أن نعبد الأصنام) إلى قوله تعالى (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
جزاك الله خيرا دكتور إسماعيل موضوع أكثر من رائع
اللهم بارك فى مكه واهل مكه واجعلنا ياكريم من زوارها العام القادم فى رمضان والحج ان شاء الله
اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام وزيارة مسجد رسولك
بفضلك ومنك وجودك يا كريم
اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام يارب العالمين ??