عبدالرزاق حسنين

كسوة الكعبة..إحترافية عشق

في البداية أهنئ الوطن حكومة وشعباً بمقدم الشهر الفضيل، رمضان الخيرات العظام، سائلاً المولى عز وجل أن يشملنا فيه جميعاً بمغفرة ورحمة وعتق من النار، ثم أحمد الله تعالى أن سخر لهذا البلد الحرام حكومة تعظم شأنه كله، وترعى مصالحه وأهله ومن سار على ترابه الطاهر، من الحجاج والمعتمرين والزوار والمقيمين على حد سواء، وليس أدل على ذلك ما نلمسه واقعاً لإنفاق سخي بالمال والعتاد، وقبل ذلك بالقيادات المخلصة التي تهتم بجميع شؤونه، وفي جميع قطاعات الدولة المدنية والعسكرية، وهنا أخص بالذكر رئاسة شؤون الحرمين الشريفين، لزيارة تشرفت بها لمجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة بمكة المكرمة، برفقة وفد دولة جيبوتي ممثلاً في معالي وزير الشؤون الإسلامية والثقافية والأوقاف السيد مؤمن حسن ومعالي سفير جيبوتي الدكتور ضياء بامخرمة عميد السلك الدبلوماسي بالمملكة، ورئيس مكتب شؤون الحج عثمان ركيع ورفاقهم، وأستأذن عزيزي القارئ بسرد بعض تأريخ صناعة الكسوة، التي بدأت كسوتها بثياب خصف غلاظ ثم المعافير وتبعها بكساء من الملاء وهو نسيج رقيق، والوصائل ذات اللون الأحمر ثم بالجلد والقباطي، وتتابع الكثيرون في الجاهلية لنيل شرف تعظيم البيت الحرام، الذي كانوا يعدونه واجباً دينياً يتسابقون إليه، وفي العهد الإسلامي وبعد بزوغ نور الإسلام، كساها سيد الخلق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، بالقماش القباطي الأبيض المصنوع في مصر، وبعد حادثة حرق الكسوة من المرأة التي أرادت تطييبها بالبخور، كساها المصطفى عليه الصلاة والسلام بالثياب اليمانية، وتتابع الدور العظيم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم فكسوها بالقباطي والبرود اليمانية، ثم تعاهدها الملوك والسلاطين في العصور المتتابعة على الدولة الإسلامية، وبعد كل ذلك التأريخ الطويل، تعاهدت المملكة العربية السعودية بكل فخر وسخاء بصناعة كسوة الكعبة، منذ عهد صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وغفر له، بدءاً بدار الحياكة عام 1346 بمحلة أجياد المجاورة للمسجد الحرام، وواصل أبناؤه البررة من بعده الإهتمام بصناعة الكسوة والعناية بها، إذ انتقل مصنع الكسوة في عام 1397 إلى مبناه المعاصر بحي أم الجود، حينها شهدت صناعة الكسوة قفزة نوعية متطورة الميكنة والتجهيزات التقنية المتتابعة، التي أظهرتها للعالم بأجمل الحلل وأضخمها إنفاقاً، إذ تجلب لحياكتها أرقى أنواع الحرير الطبيعي والبطانة القطنية والأسلاك الفضية المطلية بالذهب، ليحافظ على رونقه مقاوماً لعوامل الطقس الموسمية والممطرة، وللعودة إلى موجز الزيارة لمصنع الكسوة الذي صدر الأمر الملكي الكريم في بداية شهر شعبان لعام 1438، بتحويله ليكون مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة، لينال مزيداً من التعظيم والإنفاق السخي والتوسع في حرفيته، ليشمل صناعة كل ما يتعلق بالكسوة محلياً، وما شد إنتباهي وإعجاب الوفد في جولتنا داخل المجمع، حفاوة الإستقبال بدءاً من سعادة الدكتور محمد باجودة مدير مجمع الملك عبدالعزيز للكسوة، ومن حوله من الإدارات ذات الصلة بشؤون العلاقات العامة والزائرين، وقد لفت إنتباهي بفخر الحفاظ على المنسج اليدوي التقليدي إضافة إلى الميكنة المتطورة، وكذا وجود العديد من الفئات العمرية المهرة في الحياكة، بإحترافية أحسبها تنمي إلى عشق المهنة، للشرف العظيم الذي يفتخر به هؤلاء الرجال، وفيهم كبار السن الذين أمضوا شبابهم في عشق المهنة، وبرفقتهم شباب في العقدين من العمر ويزيدون، وفي ذلك من وجهة نظري حسن إدارة وسعة أفق القائمين على مجمع الكسوة، للحفاظ على الموروث المهني والخبرات وتداول للحرفية العالية بين الأجيال، لتبقى بمشيئة الله كسوة الكعبة في تطور تقني يشهد له كل من على هذا الكون الفسيح، وفي ختام الجولة أبتهل الجميع إلى الخالق سبحانه، أن يحفظ المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وحكومته السعودية الرشيدة، لما يشهده الحرمان الشريفان من توسعة وإنجازات يسجلها التأريخ على صفحات من الذهب الناصع..

عبدالرزاق سعيد حسنين

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى