د. خالد محمد باطرفي

نفط الخليج .. ليس نفط العرب!

“نفط الخليج هو نفط العرب. وهذا الهدر لمواردنا العربية يزعجنا، ومن حقنا أن نحاسبكم عليه!”، قال الأخ العربي. وأضاف آخر، “بل هو مال الأمة الإسلامية كلها، ومن حقها شرعا أن تحجر عليكم بتهمة السفه.” وقال ثالث: “بل علينا أن نمارس الوصاية على دول الخليج، وأن تمر كل القرارات والميزانيات على مجلس إدارة لبيت مال المسلمين!”

قلت لهم: عندما كانت بلادكم تتقدم علينا بمراحل، كانت قوافلنا تقف على أسوار مدنكم العامرة، لتبيع السمن والحليب والماشية، وكنتم تنظرون إليها بتعال ولم تفكروا يوما في مشاركتها خيراتكم. ولكن عندما رزقنا الله بكنز النفط تذكرتم رابطة الدين والدم، وصار لكم عندنا حقوق. ومع ذلك، لم نقصر معكم. شاركناكم خيراتنا، وفتحنا لكم بلادنا، ودعمنا حكوماتكم وجيوشكم، وأستثمرنا في بلدانكم. ولانزال، رغم جحود وتعال وتطاول بعضكم، بالكثير، ومن كثير.

هذا واجبنا، لا فضل لنا ولا منة، فأنتم أولى من الأجانب وأقرب وأحب. ولكن أن ينسى البعض منكم أن هذا المال مالنا، والحلال حلالنا، ويتدخل في إستخدامنا له، ويطالب بالوصاية عليه، فهذا تجاوز لا نقبله ولا نسمح به.

وتذكروا أن كنوزنا لا تمثل جزءا من كنوزكم، ولكننا أحسنا إدارتها وصرفناها فيما ينفعنا وينفعكم، فنمينا بلداننا وعلمنا أبنائنا وطورنا جيوشنا ورسخنا أمننا، ولم ننسكم. وفي المقابل أهدرت حكوماتكم ثرواتها، فنهبت، ومابقي منها صرف على قوات القمع وجيوش الهزيمة والشعارات الرنانة، ولم يزد منها لبناء بلادكم إلا النزر القليل، فتأخرتم عقودا عن بلداننا والعالم من حولكم. وهاهي عقولكم وخبراتكم ورؤوس أموالكم تهاجر إلى مشارق الدنيا ومغاربها (ومن بينها صحرائنا!) بحثا عن بيئة آمنة، راشدة، محفزة، نزيهة، لتبقى لكم الحكومات الثورية والعسكرية، والفلسفات الفسطائطية والفذلكية والمتاجرة بالصراعات والجبهات التي لا تنطفىء.

لافضل لكم علينا لنرده، أيه السادة. ولا ندعي الفضل عليكم ولانطالبكم برده. ولكن عليكم أن تواجهوا أنفسكم بحقائق التاريخ المريرة. خيارات قياداتكم ورضوخكم لها هي من قادكم إلى ما انتهيتم إليه، لا دول الخليج! فشل مشاريعكم التنموية هي من أوصلكم من الغنى للفقر، لا دول الخليج! حروبكم وتحالفاتكم الخاسرة هي من دمركم، لا دول الخليج!

من أوصل مصر التي كانت تدين لها بريطانيا العظمى بقروض تعادل اليوم المليارات، وتسعى أمريكا للإستدانة منها، ويصل جنيهها إلى أضعاف قيمة الدولار والجنيه الإسترليني، إلى حالها اليوم؟ ومن أوصل بلاد النهرين التي بنى أبناء الجزيرة العربية من القادة والخلفاء والملوك فيها خلافة تمتد على ثلاث قارات إلى ولاية فارسية ترضع إيران من آبارها، وينهب عملائها ميزانياتها، ويقتل العرب فيها بعضهم بعضا؟ ومن سلم مفاتيح عاصمة الخلافة الأموية إلى طهران وموسكو وجنوب بيروت، وأحرق الحرث والنسل، وقتل وهجّر الملايين، وباع الأرض قواعدا وإقطاعيات لروسيا وإيران؟ ومن أضاع اليمن السعيد، وشتت أهله، وسلمه لقمة سائغة للفرس وأذنابهم؟ ومن حوّل شمال إفريقيا إلى مصدّر للجاليات المضطهدة ولاجئي القوارب في أوروبا وغيرها؟ ليس لدول الخليج دور في ذلك، ولولاها لكان الحال أسوأ وأردى.

قلت للنخب العربية التي حاورتها: لانتدخل في شؤونكم فأنتم أدرى بأحوالكم. نعين ونساعد ما أستطعنا، ونشير ذا أستُشرنا، ونقف معكم إذا طُلبنا. ولكن حذاري أن تبحثوا عندنا عن علّاقة لأخطائكم ومغسل لذنوبكم وتبرير لجرائمكم في حق شعوبكم وأنفسكم. حذارى أن تتدخلوا في شؤوننا أو تطمعوا في كنوزنا او تصدروا مصائبكم وفتنكم إلينا. فإبن الصحراء الذي حكم الأرض ولم تحكمه يحمل في يد دلة وفي الأخرى سيف أملح. إن أحسنت وتأدبت ضيفّك وأكرمك .. وأن تجاوزت وتعديت قطعك .. والخيار في الحالتين لك!

د. خالد محمد باطرفي

@kbatarfi

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أبدعت وصدقت فهذه أموالنا أحرار بها والوحيد الذي له حق الاحتجاج هم أبناء الخليج
    كنت اتمنى صفقات السلاح تكون مع دول إسلامية او دول تسمح باعطاء السلاح لدولة اخرى لان أمريكا من حقها ان لا تسلم السلاح او بضغطه زر لا تعمل الأسلحة
    وساعدنا مصر ولم يثمر فيهم مصر شتمونا
    هي الشاملة نظره الاستحقار والحسد هم اهل حضارة ونحن أبناء الصحراء فلا يحق ان نتمتع باموالنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى