يتساءل الكثيرون لماذا تُصنف الحكومات العربية تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ضمن قوائم الإرهاب، وهو تساؤل منطقي لأن الجماعة في معظم تعاملاتها تخضع للسريّة وتُدبر شؤونها داخل الغرف المغلقة، وما تُبديه صراحة أمام الجماهير يختلف اختلافًا جذريًّا عن أهدافها المضمرة ذات الأطماع السياسية التوسعية التي تتنافى مع طبيعة أنظمة الحكم القائمة في العالم العربي.
لنتخيّل أسرة آمنة مطمئنة والدها يقوم على شؤونها ويديرها وفق رؤية تكفل الترابط بين الأشقاء، ثم يتجه أحد الأبناء سرًّا للتعاون مع شخص من خارج المنزل لعزل الأب، ويبدأ بكشف أسرار البيت في الخفاء، ويدبر المكيدة للوالد من أجل إسقاط شرعيته الأبوية في سلوك يمثل عقوقًا صارخًا، وبعد سنوات اكتشف الأب تلك السلوكيات الحمقاء، ومحاولات ابنه المضنية لتمزيق جسد الأسرة الواحدة، فقرر جمع أفراد عائلته وعبّر لهم عن خطورة وجود ذلك الابن العاق بينهم، وأجمعوا على ضرورة إبعاده من المنزل لحفظ الكيان الأسري من العبث والانهيار.
المنتمون لجماعة الإخوان هم تمامًا مثل ذلك الابن الذي ظل ولاؤه خارج نطاق بيئته، فهم لا يؤمنون بمبدأ ولاية الأمر للحاكم، وإنما السمع والطاعة للمرشد العام الجماعة، وبذلك يسقطون مفهوم الوطنية، ما يجعلهم خدامًا لأي مشروع يهدد وحدة الأوطان ما دام العدو قد وعدهم بالدعم والنصرة على أبناء جلدتهم، وتحولوا إلى فريسة سهلة لأصحاب المشاريع الاستعمارية الذين أدركوا سهولة امتطاء ظهورهم وتحويلهم إلى خنجر مسموم يرتدي ثوب الدين في عيون الجماهير، بينما هم اتخذوا التدين ذريعة لاستغفال العامة والتدليس عليهم وجرهم نحو مستنقع التطرف ومحاربة مجتمعاتهن انتصارًا لأهداف الجماعة، وأنتج تغلغلهم داخل المجتمعات العربية انقسامات متعددة وساد المنهج التكفيري والتخويني بين الأفراد، وهي إحدى الحيل التفتيتية التي عُرفت عن الجماعة منذ نشأتها.
لا ننكر أن دولًا عربية شتى احتضنتهم في أزمنة سابقة، قبل أن تتكشف مساعيهم وتُظهر المعلومات الاستخباراتية تعاونهم مع قوى الشر لتغيير طبيعة أنظمة الحكم في المنطقة، لذا لم يعد وجودهم حاليًّا مقبولًا في أي دولة أخذت على عاتقها محاربة الإرهاب والتطرف. والتسجيلات لرموزهم تكشف حجم التحريض الذي يوجهونه للشعوب العربية من أجل إثارة الفوضى والانقلاب على الحكام وتسليم دفة الحكم لقيادات تابعة للتنظيم، وهم بذلك يماثلون ما يعرف بتنظيم داعش الذي يزعم بأنه سيبني دولة إسلامية على أنقاض الدول القائمة حاليًّا، ولنا أن تخيل حجم الفوضى العارمة، وحمامات الدماء التي ستشهدها الدول لو أن المشروع الإخواني تحقق فعلًا على الأرض.
التقارب بين المشروع الداعشي والإخواني فرض على الدول المحاربة للإرهاب أن توحد آلية التعامل مع الجماعتين ما داما ينطلقان من فكرة واحدة تروم زعزعة استقرار الأوطان وإنشاء خلافة مزعومة ذات أجندات متطرفة، لذا لم يعد السؤال عن سبب محاربة الحكومات العربية لتنظيم الإخوان وجيهًا بعد أن سقطت الأقنعة، وتبيّنت حقيقة ما كان يدور خلف الأبواب المغلقة.
ياسر صالح البهيجان
ماجستير في النقد والنظرية