في ظل تفاقم الأزمات الراهنة التي تعصف بالعديد من الدول في العالم أجمع، وفي عالمنا العربي تحديدًا، ظهرت العديد من المنظمات التي تحمل صفة (الخيريّة)، وترفع شعار تخفيف المعاناة عن الشعوب بينما هي في جوهرها منظمات تسعى إلى كسب الولاءات داخل تلك الدول، وتجنيد أفرادها لتحقيق أجندات خفيّة تتأسس على مبدأ شراء الذمم، وإخضاع المجتمعات لسيطرة القوى الخارجيّة، واستغلال احتياجاتها الحياتيّة في مقايضة خبيثة تروم السيطرة على أنظمة الحكم، ودعم الميليشيات الإرهابيّة المتخصصة في إثارة الفتن والفوضى لجعلها ورقة ضغط سياسيّة تُفرض بها خيارات محددة تتعارض مع المصالح الوطنيّة داخل أي وطن.
استخدام مسمى المنظمات (الخيريّة) مثّل غطاءً فضفاضًا لتمويل التطرف والإرهاب، واستغلّ التصوّر العاطفي الكامن في أذهان المجتمعات تجاه (الخير)، وسهّل إمكانيّة منح الميليشيات التمويل المالي الكافي لاختراق الأنظمة القائمة، وإعطاء المقاتلين المأجورين مرتبات مجزية تحثّهم على الاستمرار في خلق النزاعات وتنفيذ أعمال إجراميّة تزعزع الأمن والاستقرار، وهو ما فرض ضرورة وضع حدّ للمنظمات الخيرية المشبوهة، والتي لا تنفق من ميزانيّاتها إلا النزر اليسير على احتياجات السكّان الأساسيّة، بينما تذهب معظم أموالها نحو دعاة التمرّد وروّاد الانشقاقات وإذكاء الصراعات.
لم يكن مفاجئًا تصنيف منظمات مثل قطر الخيرية ومركز قطر للعمل التطوعي وغيرهما من المنظمات ضمن قوائم الإرهاب التي أصدرتها السعودية ومصر والإمارات والبحرين، بعد أن كشفت التقارير الاستخباراتيّة ضلوعها في تمويل الميليشيات الإرهابيّة بدعم من حكومة قطر، وإن كانت المسميات قد تحمل دلالات (الخير)، فإن الأهم من ذلك هو العمل الفعلي على الأرض وهو الفيصل في الحكم على تلك المنظمات، التي حاولت أن تخفي أجندتها التخريبية خلف بناء المدارس ودور الإيواء في بعض المناطق المنكوبة، وهذه حيلة رخيصة لا يمكن أن تمرّ على الأجهزة الأمنيّة اليقظة التي ترصد تحركات الأموال والجهات القابضة لها.
المرحلة الحاليّة مختلفة كليًا عن المراحل السابقة، وقائمة الإرهاب لن تقف عند 59 شخصًا و12 منظمة، والمنطقة تعجّ بالمنظمات الداعمة للميليشيات الإرهابيّة، ولن تحظى الدول الراعية للتطرف والإرهاب بأي تعاطف حكوميّ أو شعبي، إنه زمن المكاشفة الحقّة، وكشف زيف من يعمل بازدواجيّة ويدّعي محاربة الإرهاب في العلن وينفق المليارات على دعمه وتسليح أتباعه في الخفاء.
ياسر صالح البهيجان
ماجستير في النقد والنظرية