كان السؤال عن تفجيرات البرلمان وضريح الخميني في طهران، فقلت لمذيع قناة الحرة المتميز، حسين جرادي: “أولًا أتقدم بأحر التعازي والمواساة لأسر الضحايا، فنحن في السعودية ندرك آلام ومعاناة وعذابات الإرهاب الذي استهدفنا كثيرًا في السنوات والعقود الماضية.
وفي نفس الوقت أبدي دهشتي للسرعة الفائقة التي تواجدت بها القنوات والكاميرات في مواقع الأحداث. وسرعة إصدار “داعش” لبيانها على غير العادة. وسرعة البرق التي صدر بها بيان الحرس الثوري الذي يحمل السعودية وأمريكا المسؤولية، قبل أن يبدأ التحقيق، بل حتى قبل اتفاق البيانات الرسمية على رواية واحدة.
واللافت في الأمر، أن التفجيرات تمت في موقعين تحت حراسة غير عادية بكل المقاييس. فالبرلمان محاط من كل الجهات بمواقع عسكرية وأمنية وسياسية رفيعة وشديدة التحصين تشمل قيادة الحرس الثوري، وقيادة القوات البرية، وقيادة الجيش، والقاعدة الجوية، ومكتب الخامئني؛ إضافة إلى تواجد كثيف لقوات الأمن والشرطة. والدخول إلى المنطقة ككل يخضع لإجراءات أمنية شديدة. أما البرلمان نفسه، فلا يدخله إلا من يعمل فيه، أو يحمل بطاقة زائر، وعبر بوابات ومكاتب تدقق في الهويات والشخصيات. وهناك كاميرات أمنية وعناصر أمنية في كل ركن وزاوية. ومع ذلك استطاعت مجموعات مسلحة ومرتدية للأحزمة الناسفة أن تدخل في وضح النهار وتشتبك مع قوات الأمن وتطلق النار على المراجعين (وليس المسؤولين أو البرلمانيين الذين يفترض أنهم المستهدفون)، وأن يفجر بعض عناصرها أنفسهم في أروقة البرلمان وبالقرب من بنك بجوار ضريح الخميني، (وليس في الضريح نفسه الذي يفترض أنه المستهدف!).
الناشطون السياسيون والمعارضون الإيرانيون شككوا في مجريات الأحداث، وتوقيتها، وأنا معهم. فقد صوت الشعب الإيراني مؤخرًا بالأغلبية لمن وعدهم بالتصالح مع العالم، والتركيز على الداخل، وأعلن رغبته في الانسحاب من مستنقعات الحروب والصراعات في المنطقة، وعدم هدر المقدرات والثروات الوطنية على المغامرات العسكرية في الخارج، وإعادة أبنائه المتورطين في معارك وصراعات في سوريا والعراق ولبنان واليمن والصومال وغيرها إلى أسرهم. ورفض الشعب تبريرات دعاة التدخلات الأجنبية بأن الهدف هو نقل الحرب إلى أرض الخصم، وحماية الأمن الداخلي بهزيمة الإرهاب على أرضه.
وفي نفس الوقت فقد تكررت الأسئلة عن عدم استهداف المنظمات الإرهابية في العراق وأفغانستان لإيران رغم الحدود الطويلة معها، وعلى مدى عقود منذ التسعينيات الميلادية، في حين لم يسلم من شرها قريب أو بعيد، ووصلت عملياتها إلى أمريكا غربًا والفلبين شرقًا، وشملت دول عظمى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ودول إسلامية كبرى، كالسعودية ومصر والباكستان.
التوقيت يُثير كثيرا من الأسئلة أيضًا. فبعد توحيد الجهود الدولية ضد الإرهاب واستبعاد إيران منها باعتبارها دولة راعية وممولة وداعمة للمنظمات الإرهابية، وباعتبار أن داعش والقاعدة قبلها نشأت وتمددت واستفحلت في دولتين تقعان تحت الهيمنة الإيرانية، هما العراق وسوريا، وفي دول لإيران فيها نفوذ، كاليمن ولبنان وأفغانستان. وبعد تكرر الانتقادات الدولية لاستضافة طهران قيادات ومقاتلي القاعدة وداعش وطالبان، وأسرهم، وتزويدهم بالخدمات بالمال والسلاح وجوازات السفر، وتسهيل تنقلهم ووصولهم إلى مناطق الصراع، والسفر لتنفيذ عمليات ضد المصالح الأمريكية والغربية، كتفجيرات السفارات الأمريكية في أفريقيا واعتداءات ١١ سبتمبر في نيويورك وواشنطون حسب المحاكم والاستخبارات الأمريكية. وبعد قمم الرياض التي ركزت على محاربة الإرهاب وسمت إيران تحديدًا بتبنيها ودعمها له، تأتي تفجيرات طهران، وتبني داعش لها، واتهام السعودية والولايات المتحدة بالتورط فيها.
الهدف، كما يؤكد المراقبون الإيرانيون، قبل غيرهم، هو مواجهة تهمة دعم المنظمات الإرهابية من ناحية، وإقناع الشارع الإيراني بأن خير وسيلة للدفاع الهجوم. وأن على قوات الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية أن تواصل حروبها ضد هذه المنظمات في الخارج. وأن شد الحزام الذي طال عقودًا حتى أفقر نصف الشعب الإيراني، وأجاع ثلثه، وأوقف التنمية، وعطل الاقتصاد، وكلفه عداوة جيرانه ومقاطعة العالم لنظامه، لا بد أن يستمر سنوات أخرى حتى يتم تصفية الأعداء وتأمين البلاد. وليس هناك أنسب من هذا التوقيت الذي تتشكل فيه الحكومة الجديدة وترسم سياساتها الداخلية والخارجية لتحقيق ذلك الهدف.”
رحم الله ضحايا العمليات الإرهابية في طهران، وصبّر أسرهم ومحبيهم، وفضح وخذل وعاقب من تورط في قتلهم وغيرهم. وكف عنا كيدهم وأذاهم ورد عليهم مكرهم وشرورهم. أمين.
د. خالد محمد باطرفي