حينما تقضي ما يقارب من الأربعين عامًا في دراسة وممارسة العمل في مجال العدالة الجنائية وإجراءاتها وتُطبقها وتُتَابعها، فإنك تدرك كم هي خطوة جميلة وموفقة تلك التي قام بها فريق العمل الشاب وتوصياته بتغيير مسمى هيئة التحقيق والادعاء العام بمسمى النيابة العامة وربطها بالملك، وحتى لو أنها أتت متأخرة بعض الشيء.
إنها خطوة ذكية تساعد في الاستقرار الداخلي، وتمنع الانتقاد من الأعداء في الخارج لاسيما في ظل تطورات الأزمات المتعددة في منطقتنا واشتعال نار فتنها هنا وهناك.
وأتمنى الدعم المادي والبشري وكل ما يلزم، لتكون النيابة العامة هذه في مصاف الدول الأولى دول:(أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، واليابان…إلخ). وأتمنى أن يكون الفصل والاستقلالية على أرض الواقع فعليًا، والخطوة التالية المطلوبة هي في فصل بقية السلطات.
والذي لا يعلمه الكثير من العامة أنه من أبجديات العمل القانوني أو بالأحرى من أبجديات العدالة.
إنه حينما تتهم شخص ما بجريمة معينة فيجب أن تكون اتهاماتك محددة وبالتفصيل الدقيق، وهذا ماتفعله النيابات العامه المستقلة في جميع أنحاء العالم، وتقع عليها أمانة أن تقدم أدلة ثابتة وغير قابلة الدحض أمام القضاء، لاسيما وأن القضاء سيصدر إدانات وعقوبات وسيطلع العالم كله على تلك العقوبات وعلى مجريات الترافع بأكملها، والخطورة في الموضوع حينما يتم تدويل القضية.
الخطورة الأخرى لو بدأت أدلتك تتهاوى وتتساقط أمام القضاء، ويتم تكذيبها ودحضها فالقضية ستنقلب عليك أنت !!!.. وبالتالي الدقة في الاتهام مطلوبة جدًا، والتأكد من الأدلة أهم.
لقد أمرنا الله بأن نتحقق ونتبين في توجيه الاتهام بقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) الآية والتبيان هنا أمر بالتحقق والتأكد فلايجوز أن تلقي التهم على عواهنها فنقول فلان سرق ! وفلان زني ! وفلان إرهابي ! من الضروري أن نحدد ماذا سرق ؟ وفي ماذا زنا ؟ وكيف وفيما أرهب ؟… إلخ.
مالم يناسبني أنني سألت عدد من المحسوبين في مجال العدالة الجنائية عن كيفية إعداد لوائح الاتهام وللأسف وجدت البعض منهم يتظاهر بالتطنيش، والبعض تظاهر بأنه نائم، في محاولة منهم للهروب من عجز الإجابة.
واصل يا بلدي والله معاك، وحفظ الله بلاد الحرمين.
لواء م. طلال محمد ملائكة