يُقال: فلان لايعرف اللف والدوران وهذا يعكس لك شخصيته المستقيمة في حوارها، صادقة في تعاملها لا تتبدل مع مرور الأيام تقف على المبدأ وتسير عليه, ويُقال (فلان كالسهم) لأن السهم يمضي إلى وجهته مستقيمًا ليصل إلى الهدف, والأجمل في هذا ليس إصابة الهدف؛ بل ما يعتري الإنسان من حالة شعورية سارة لأنه وصل إلى حقيقةٍ يقبلها العقل والمنطق, أما الالتواء والانحناءات عادة ماتؤثر في سير الحركة, وبالتالي سير حياتنا وحياة الآخرين الحالمين بالهدوء والمعاني النبيلة.
إن كل منعرج في الطريق يحجب عنا الرؤية, وهنا تكمن المشكلة التي هي ليس في هيكلة الطريق الشكلي, وإنما في وظيفته ومضمونه ومؤداه الأخير, ومع العناء والصبر لتخطي كل ذلك إلا أنك تجد كل منعرج لا يقل وعورة عن غيره, والسير في هذا الطريق لاشك هو تقدم متعثرة على إطلاقه, والعرب لحكمتها تقول: (لكل جواد كبوة)، بينما لهذا الطريق الذي تسلكه قطر ألف كبوة وكبوة, ونحن أبناء الخليج غالبًا ما نؤول مثل تلك التعرجات بمعاني تؤثر سلبًا في النفس والحالة الشعورية ونحاول أن نتجاوزها أملًا في قادم أفضل, مع أن ذلك يظهر جليًا في ملامحنا حتى وإن حاولنا المجاملة بتقمص شخصية أخرى, ليس لأنه من الصعب السير في ذلك الطريق وارتياد مساره لكننا لا نريد الحياد عن الطريق الصحيح واستقامته الواضحة بل ونلتزم بالمبدأ وكذا بالعهود والمواثيق, وما تمضي فيه “قطر” ومن سنوات يشعرك بالقلق كإنسان خليجي في حاضرك الذي تعيشه, ويقود إلى مستقبل مجهول وغامض كونه مليء بتلك التعرجات والالتواءات, وحتى إن مرتادوه يعيشون في ضِيق وحرج على مبدأ (كأنما يصعد في السماء) لأنه مسلك وعر وشاق ويحمل مزيدًا من العناء والمكابدة ويقود إلى التبعية والتشرذم, إلى جانب ما يساور الجميع من قلق مستمر وخطورة دائمة من المستقبل وعوالم القادم, وتعرجات ذلك الطريق كدائرة يتموضع فيها الجميع قادة وشعوب مجلس التعاون الخليجي أراها تسلب محددات ومؤشرات الوعي إذا لم يتخذ قرارًا حازمًا كما هو حاصل اليوم من قطع للعلاقة مع قطر النَشز, وتضييق الخناق عليها وفق ما تقتضيه المرحلة وكذا النظم والأعراف والقوانين الدولية وحق السيادة للدول المقاطعة لتعود “قطر” إلى جادة الطريق وتستقيم من كل تخبط وغي, ويعود من زاغ إلى رشده ورغم التفاؤل ومحاولات تخطي العقبات وعوالق الطريق طوال السنوات الماضية, إلا أن النفس غالبًا ما تمل وتنكمش بفعل آلام تعرجات ذلك الطريق التي تكون ظالمة بوجهتها أو مظلمة بطبيعتها ولأن السعودية تأبى الظلم والظلمة, فبعد عقدين من الزمان بلغ السيل الزبى, سارعت إلى كشف كل انحناء ملتوٍ في الطريق ليسهل للعالم, كل العالم ارتياد الطريق بيسر وسهولة وبكل أمن وأمان, عندما كان الرياض بقيادة ملك الحزم راعيًا للسلام ومحاربًا للإرهاب ومؤسسًا لحقبة جديدة تُوج فيها مركز اعتدال كمنصبة عالمية تقود وتوجه العالم إلى محاربة الإرهاب والدعوة إلى الوسطية والاعتدال, الأمير الوالد الطريق المتعرج لا يسمح لك بالتوقف بالشكل الأفضل, فكل منعطف يلتوي حد التحّدب فتظهر نتوءات ليس لها من قرار, فلا يمكن أن تسير فيه نحو وجهة واحدة, ولا يمنحك فرصة للتوقف (عناء مستمر وقلق منتظم), مما يجعلك دائمًا تتكهن المواقف وتتحسس العثرات التي سوف تواجهك مع كل منعطف, الأمر الذي يجعلك تعيش في تحسب مستمر لتكتيك آخر ضمن حسابات التغيير الداهمة وكما تُدين تدان, وهذا ما لا نود ولا نرغب لأنها غالبًا ما تطبع صورًا كئيبة في الأذهان في المجتمعات الأخرى عن أبناء الخليج, أبناء الجزيرة العربية حيث منطلق الرسالة وإشعاع النور, حتى إنك لا تستطيع تتمثل مستقبلًا جميلًا, ولا واقعًا جيدًا مستقرًا, وفي كل هذه الأجواء المعتمة وهذه الضبابية التي تحس فيها بحالات من الغربة وتشعرك بنوع من الوحشة وحتى التصارع, إلا أنك لا تزال تسعى لتتخطى كل منعرج متوهم نحو الوهم, تبصر الشيء ولا تدركه, فما إن تصل إليه حتى يتبدد, وهكذا تلمحه في مسافة أخرى (كسراب بقيعة) وكلها لاشك أجواء مليئة بالشدائد والتصارعات مؤداها نحو الخطر ودرب الردى, تنشد فيها انفراجة في الطريق فلا تجد, مع أن هناك طريقًا مستقيمًا يحاذي ذلك الطريق المتعرج ندعوك إليه, تبتعد عنه ويبتعد عنك أكثر, وتطول المسافة إلى مالا نهاية ! ولن تستطيع تحقيق أي هدف من خلال هذا الطريق المتعرج, إلا أنه قد يقترب باستجابات جديدة تقوم على بصائر وضمائر ننهض بها من تحت ركام الإحباطات وكواليس عجاف السنين وحضورها النافل, إلى حالة من الوضوح والشفافية والتجلي, لنردم كل هوة, ولنصل إلى الطرف الآخر للخروج من مأزق الطريق المتعرج.
إنه نداء من كل أبناء الخليج وقادتها، فهل تلبي النداء وتسمع الدعوة أيها الأمير الوالد؟!
عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد