مودة الفؤاد
مَكة المكرمة … مهبَط الوحِي … مهْوى القلوبْ والأفْئدة … قِبلة المسلمِين مُنذ آلاف السنِين ، قصَدها إبرَاهيم الخَليل عَليه السّلام ، وأسْكن أهْله بِها ، ودعَا لهَم بالخَير الوفِير ، فأستجَاب لَه الله دَعواه وحَقق لَه أمْنيته { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
ومَازال خَير الرحمَن دَائم عَليها إلَى يَومنا هَذا .
وعِندما بنّى إبْرهة بِن الصبَاح كنِيسة باليَمن لصَرف حجْ العَرب إليهَا بدَلاً من الذهَاب لمكّة كَان الأمْر محسُوم فالصرَاع هُنا بَين الأرضْ والسّماء {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ
عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} وعِندما تَوجه إلَى مَكة ليْس لقتَال أهْلها ، وإفشَاء الرُعب فِيهم ، بَل كَان هَدفه هَدم الكَعبة المشّرفة ( مُهمة محْدودة ) ليَتحول العَرب لحجْ كنِيسته التِي شَيدها لتَكون بَديلاً للكَعبة فأرسَل الله الطَير الأبَابيل وحُسم الموقف {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا
أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} فَبيت الله الحَرام حَاميه رَبه مُنذ أقْدم الأزلْ ، وسَخر لَه فِي زمننَا هَذا آل السعُود مِن نِسل عَبد العزيز – رحِمة الله – يَقومون بِحمايته عَلى أملْ وَجه ، ويحُكمون أرضِه الطَاهرة بشَرعة تبَارك وتعَالى .
والفِئة الضَالة الخَارجة عَن الدِين التِي نَوت إسْتهداف البَيت الحَرام فِي الشَهر الحَرام وإرعَاب وقَتل ضيُوف الله ، وأخَذت مِن آجيَاد الحَارة العتِيقة المجَاورة للحَرم مَقراً لهمْ لتَنفيذ نَواياهم السيئَة لمْ يُمكنهم الموْلى مِن إكمَال هَدفهم القذرْ ، فَكشف أمْرهم ، وبَعث لهُم صقُور سَلمان بِن عَبد العزيز ، وكَانوا لهمْ بالمرصَاد ، وأخْرجوهم
مِن جحُورهم ، وأنْقلب السِحر عَلى السَاحر وفَجروا أنفُسهم هَرباً مَن خِزي الدُنيا ، وبالقُرب مِن قِبلة المسلمِين ، وحمَى الله ضيُوف بَيته مِن أعْداء الدِين فَلم يَمسهم سُوء ، وقَضوا منَاسكهم بُروحانية الشَهر
المبَارك وأمنْ وأمَان وطمأنينة .
فِئة ضَالة أبتَعدت عَن نَهج الله القَويم ، وأتبعت شيَاطين الإنس فكَانت نهَايتهم والعيَاذ بِالله مأسَاوية ، فحيَاتهم خَوف وعَذاب ، ومَوتهم بشِع أليمْ ، ونهَايتهم مقّرها الجحِيم .
كُل هَذا لأنّ النَفس الضَالة طَغت عَلى العَقل ، طَغت عَلى آية الله ، طَغت عَلى الجمَاعة فخَرجت عَنها ، فكَان لهَا ذَاك العِقاب الدُنيوي الذِي لَا يَرضى بِه عَاقل ، ولَا تَرضى النّفس أنْ تَكون خَاتمتها بذلِك الوَضع .
اللهُم أنْصر سَلمان الحَزم ، وكُن لَه عَون ومعِين ، وأنْزل فِي قُلوب جُنده السَكينة ، وسَدد رمْيهم ، وأيِدهم بتَوفيقك ، وأحمِي يَا رب بِلاد الحَرمين مِن كُل مَكروه .
نبيه بن مراد العطرجي