هناك أزمة كبيرة نعيشها حاليًا في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي أزمة فقدان لغة الحوار الإيجابي لدى البعض من الجمهور، مما أكد حقيقة مرض الأخلاق وضرورة البحث عن علاج لها، فواقعة مقاطعة المملكة العربية السعودية مع بعض الدول العربية لدولة (قطر) بسبب دعمها للإرهاب، أشعلت المواقع بانعكاسات متفاوتة لهذا القرار لامنتهى لها، بين أفراد الوطن وشعب الدولة المقاطعة، بل أيضًا بين أفراد الوطن الواحد أنفسهم، ناهيك على تداخل الآراء من أبناء الدول الأخرى، ومن هم مناهضون لهذا الموقف، ومن هم من المؤيدين، فلا يتم طرح أي نقاش في هذا الموضوع (مع العلم أن غالبية النقاشات تدور حوله) حتى نرى عبارات الغضب والتنديد والشتم، فلا نجد منهم من هو مستمع للآخر، وكلُّ طرف يوقن أنَّه على صواب، وأما الطَّرف الآخر، مادام مخالفًا له فهو على خطأ،عملًا بمبدأ إن لم تكن معي فأنت ضدي، حتى أضحينا نعيش نوعًا جديدًا من الإرهاب يعرف بالإرهاب اللفظي، مما يدفعنا للتساؤل أين الخطأ ؟
الخطأ ياسادة يكمن في عدم فهمنا لحقيقة القرار، وعدم قناعة البعض بأن حكامنا يملكون من البصيرة مايجعلنا نذعن للأمر، ونترك لهم دفة إدارته بالطريقة التي يرونها صحيحة، فلو ناقشنا القرار من الناحية الدينية، نجد أن علماء الأمة قد أجمعوا على أنه “لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من صلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية”.
ألم تسأل نفسك عندما يأتي فصل الخريف وترى جماعات الطيور تتجه نحو الجنوب، وهي تطير على شكل الرقم (7) يا ترى لماذا تتخذ الطيور هذا الشكل بالذات أثناء الطيران ؟
لقد توصل العلم إلى أن كل طير عندما يضرب بجناحيه يعطي رفعة إلى أعلى للطائر الذي يليه مباشرة, وعلى ذلك فإن الطيران على شكل الرقم (7) يمكن سرب الطيور من أن يقطع مسافة إضافية تقدر على الأقل بـ(71%) زيادة على المسافة التي يمكن أن يقطعها فيما لو طار كل طائر بمفرده، وعندما يخرج أحد الطيور عن مسار الرقم (7) فإنه يواجه فجأة بسحب الجاذبية وشدة مقاومة الهواء, لذلك نجده سرعان ما يرجع إلى السرب ليستفيد من القوة والحماية التي تمنحها إياه المجموعة.
إذًا يعلمنا الطير هنا أن المرء ضعيفًا بنفسه، قويًا بإخوانه، ومتى شذ عنهم ضاع، وأضاع الفريق الذي حوله، هذا فحوى الدرس بالضبط الذي ترغب قيادتنا ومن تضرر معها من عقوق(حاكم قطر) أن يتعلمه.
ولكن حجم التحامل والكره الذي تحمله النقاشات يخرج بالقرارات عن أهدافها السامية، لم يحوَ القرار بنودًا تشجع على بث الحقد والكراهية بين الشعوب أبدًا، ولم يحوَ توكيلًا للشعوب بمحاربة بعضهم البعض، هو قرار اتخذه كبار العائلة من أجل إعادة الضال من أفرادها إلى جماعته، كما تعودنا في تربيتنا، عندما يغضب أحد الوالدين على ابن من أبنائه يلتزم البقية الصمت، إلا في نصح وتوجيه.
ولكن! للأسف الحقيقة المُرَّة التي واجهناها، هي طريقة تعامل طرفي النزاع مع القرار، والمؤلم أن تكون أسلوب تناحر لانقاش، حتى أضحت سمة لازمة لمواقع التواصل الاجتماعي، نقف على الكثيرمنها بألم لما آل إليه حال الأمة، فيسيء فيها الأخ لأخيه، ويرد الآخر بأسلوب يَنُمُّ عن حقد، وهنا طرف ثالث يراقب عن كثب بتشفٍ، مستخدمًا وسائل معينة لتأجيج الفتنة، ليتشدق مفاخرًا بنجاح مخططاته، نعلم يقينًا بأن جمهور مواقع التواصل الاجتماعي في أي مكان على الأرض، عند وقوع أحداث تهمه، عادةً ما تتجاذبه عاطفتان قوِّيتان حيال هذا الأمر وخصوصًا إذا كان قرارًا يمس وطنه.
إحداهما عاطفة الانتماء: التي تغرس لدينا المحبَّة لأوطاننا، وتنمي داخلنا الولاء اللامتناهي لها، لدرجة الوقوف في وجه كل من يريد النيل منها، والانسجام مع من يبادلنا الشعور حيالها، وتقبُّله بعكس الآخر، ذاك التقبل الذي يزيد من التماسك بين أصحاب الرأي الواحد، والانصهار في بوتقة واحدة تستميت في الدفاع عنه بشتى الطرق وبكلِّ ما يُقوِّي الوُدَّ، والتَّقارب بينهم.
وعاطفة النُّفور: التي تزرع الشُّعور بالكراهية لكل من يحاول العبث بالوطن، وهي متبادلة بين الطرفين، بحيث نراهم لا يتقبلون بعضهم البعض، ويرفضون آراءهم، ولا يطمئنون لأي مناقشات لهم، ونجدهم إما متجاهل لتلك النقاشات، أو مجابه صاد لها، بعبارات تنم عن العدوان، والألفاظ العنيفة، بل إن بعضها يحمل نوع من القسوة التي قد تؤلم الطرف الآخر، ومرجع ذلك كله يكون نابعًا من عاطفة النُّفور.
نحن لاننكر هاتان العاطفتان، فهما مغروستان عند كلِّ البشر، معظمنا نُحبُّ أشياء، ونكره أخرى، نُحبُّ أشخاصًا، ونكره آخرين، حتَّى وإن لف الأمر بعض الغموض، لكنهما من سمات الشخصية السوية لدى البشر.
ولكن أن تكون الكراهية بهذه الدرجة التي نراها في مواقع التواصل، والتي أضحت ساحة معارك كلامية مؤججة للنفوس، أمر بغيض جدًا على نفوسنا جميعًا، ولربَّما لو تم توجيهها لليهود، وأعداء الدين الذين يتربصون بالأمة في كل زاوية من زوايا الحياة، لكان أفضل، ولكن!! هل تخيَّلت يومًا أنَّها قد تخرج من أخ لك في بلد مجاور؟!
يلقي عليك كلمات وافتراءات، وربَّما تمنَّى موتك. لماذا؟
هو مرض الأخلاق، الجسد متى مرض نجد له الدواء، ولكن الأخلاق متى مرضت استشرت، وعندما تستشري تفقد انسانيتها، فتظهرالممارسات السُّلوكيَّة المرفوضة، أضحت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بالكره والحقد بين الإخوة في البيت الخليجي الواحد، وهذه من أخطر المشاكل، وأكثرها أهميَّة.
متى ندرك أننا كلما تخطينا التعبير عن المشاعر بطريقة سيئة، كل مازادتنا قدرتنا على تخطي عقبات الحياة؛ لذا دع الأمور تمضي وضوضاء الحدث تمضي، ولا تستبق الأحداث، اصنع مساحة من الهدوء ليتمكن أرباب القرار من جني حصاد قراراتهم.
وتذكر أن من لم يتعلم الطاعة لن يستطيع الريادة، وأن حكامنا لم يتخذوا هذا القرار الشجاع إلا ليجنبوا الأمة أمورًا أسوأ منه، ومن أجل هدف أعظم فيه مصلحة العامة ورفعتها، فحيثما تجد دولة شامخة، ستجد قرارات شجاعة، لذا لا تؤمن بأي خبر يشيع الناس أو تناقلته المواقع مالم يكن مدعومًا بالأدلة والبراهين، وعندما تجد شيئًا مقنعًا متفقًا مع مبادئك وقيمك، وينعكس على المصلحة العامة للأفراد تقبله بصمت أو امضِ في هدوء غير مناهضٍ له، وإذا أردت أن توثق ردَّة فعل له لتكن ردودك مختلفة، تظهر رقي خلقك، اكتف بتجاهل التَّصرُّف الخاطئ، وقد تكون نظرة عتاب رادعة أقوى من ألف خطاب، فقط كن متحضرًا في نقاشاتك، لتخجل الآخر وتخرسه.
د.عائشة زاهر
يا ليت يكون ارهاب لفظي فقط بل إنه ارهاب فعلي تديره عقول حاقدة على دول الخليج مجتمعه فإذا كانت مصر أم الدنيا فإن قطر الحكومة أم الإرهاب تجيزيا وتموينا وتوجيها وهي وقعت في فخ كبير وجلست في حضن المضل على خامنيئ استخدمها كأداة لا محبة في قطر بل حقدا على دول الخليج نهايتهم قريبة بإذن الله.