محمد ربيع الغامدي

هشيمة حمد

همسات الخميس

حمد واحد من سكان واحة فيحاء من تلك الواحات العديدة التي تظهر عادة في عمق الامتدادات الصحراوية، يسكن معه في الواحة ذاتها مجموعة من أبناء عمومته الذين جاءت بهم أقدارهم جميعا إلى هذا المكان الهادئ الهانئ الجميل، عاش فيه أسلافهم وعاشوا من بعدهم، تقاسموا فيه حلو الحياة ومرّها.

ورث كل واحد منهم شجرة كبيرة على أطراف مزرعته، وكان على كل واحد منهم أن يهتم بها كما كان يفعل أسلافه، فيتعهدها بالسقاية والرعاية، ويحرص على تقليم زوائدها وتنظيف ما حولها، لأنها إذا أهملت تراكمت حولها الأغصان الميتة والأوراق اليابسة فتصبح هشيمة تتكاثر فيها الأفاعي والحيات والعقارب.

جاء يوم من الأيام أهمل فيه حمد شجرته فتحولت إلى هشيمة تكاثرت تحتها الدواب من كل مكان، وباتت تلك الدواب تشكل إيذاء صريحا لجيرانه فصاحوا به: تكفي يا حمد، لكن حمد لم يفعل شيئا، فلما يئسوا منه أغلقوا أبوابهم ونوافذهم وشتى منافذهم، قالوا لن نفتح أبوابنا مادامت الهشيمة مسرحا للدواب المؤذية.

لم يتوقع ذلك التصرف من جيرانه، اضطربت كلماته، تناقضت تبريراته، لكنه استجمع قواه بعد أن هداه تفكيره إلى تبرير لم يسبقه اليه أحد، فاجأ الناس فعلا عندما قال بأن تلك الأفاعي هي أفاع يتيمة، لا أب لها ولا أم، وأنه كافل أيتام الأفاعي، ولن يتخلى عن دوره ذلك، هذا ولايزال الراوي الذي حكى لي هذه القصة يضحك من تبريرات حمد وهشيمة حمد.
محمد بن ربيع الغامدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى