د. خالد محمد باطرفي

قراءة في خطاب أمير قطر

بعد إعلان قطر عن خطاب هام لأميرها، غردت على تويتر بدعاء: (اللهم ألهمه الرشد وأعده إلينا عودا حميدا وأصرف عنه بطانة وحلفاء السوء وأره الحق حقا وارزقه اتباعه والباطل باطلا وارزقه اجتنابه).
ووافقت أخي الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله الذي غرد قائلا: (مقابل كل خطوة تخطوها قطر في الاتجاه الصحيح لا بد من خطوة مماثلة من الدول التي قررت عزل قطر وأقترح البدء برفع الحظر على انتقال الأفراد).

نعم هدفنا كسب واستعادة قطر لا خسارتها وعقوبتها. نتلهف لعودتها إلى أهلها وربعها، ونألم لغيابها عن الصف العربي والأسرة الخليجية. والذين يفرحون ويحتفلون بهذا الخلف بيننا، ويسعون إلى زيادة الشقة واتساع الرقعة حتى يصعب رأب الصدع، لا يعرفون حقيقة روابطنا، وقوة ترابطنا. وهم إما غافل عن ضرر هذا الخلاف علينا جميعا، عربا ومسلمين، وفائدته لأعدائنا. أو أنهم تجار حروب وانتهازيو صراعات، يتعايشون على الدماء والدمار. وهناك بعد أولئك الذين صنعوا وخططوا لهذا الخلاف تحقيقا لأهدافهم وأجنداتهم. فهم أصحاب مشاريع سياسية وأيدلوجية وقومية أزلية. وهم عرب وعجم، يحلمون بخلافة إسلامية مذهبية ويتوهمون أن تحقيقها أصبح في متناول اليد، رغم فشل ”الخريف العربي“ وانكسارهم في كل بلد عربي حكموه أو سعوا لحكمه.

أعود إلى خطاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، فأقول بأنني كنت بين رجاء ويأس. رجوت أن تسود الحكمة والرشد فيعلن الأمير الشاب (ولو تلميحا) طلاقا بين سياسته وسياسة جيل يخاطر بكل منجزات بلاده الاقتصادية والمدنية باقتحام لعبة الكبار ومشاغبتهم ومطاولتهم والتجاوز في حقهم. وأن يلمح بقرارات شجاعة ومبادرات خلاقة عن رغبته في العودة إلى البيت الخليجي وقطع صلته بأعدائهم وإنهاء أحلام وأوهام أمارة المؤمنين وخلافة المسلمين. كما توقعت منه أن يعلن التزامه باتفاقية الرياض (٢٠١٣) وآليتها التنفيذية (٢٠١٤).

وفي نفس الوقت لم أكن أستطع تجاهل أن القرار ليس له وحده، وأن الشبكة التي تحيط الأمير الشاب من الحكام والمنفذين، من الحلفاء والمستشارين، لن تسمح بهكذا تغيير. وأن النص الذي صيغ خلال ثلاثة عقود، وحفر على الصخر ورسخ في إستراتيجيات ومخططات ومصالح وعلاقات داخلية وخارجية متشعبة، لا يمكن الخروج عليه بهذه السرعة وهذه البساطة. وأي إصرار منه على التغيير قد ينتهي بتغييره.

غلب الواقع الحلم، وجاء الخطاب كما توقعت نتائج الاستفتاء الذي أجريته على تويتر، دفاعيا، جدليا، معاندا ومكابرا. كان خطابا عروبيا شعوبيا بامتياز، لايختلف عن تلك الخطب الرنانة التي كنا نسمعها في رابعة العدوية ولانزال. لا اعتراف بالخطأ، ولا تنازل عن الموقف. استثارة للمشاعر، واستدرار للعواطف. بكائية ومظلومية. جدل ومراء. قراءة انتقائية للواقع، تركز على ما تحسب أنه يخدم قضيتها، وتتجاوز كل ماعدا ذلك من حقائق. تبدأ ضبط ساعة الخلاف على ليلة ”اختراق“ وكالة الأنباء القطرية، وتمسح كل ما سبقها من تاريخ حافل بالإدانات، تماما كما يفعل المستشارون بضبط ساعاتهم على ليلة القبض على الرئيس مرسي ومحو ما قبلها!

عبرت عن خيبة ظني ووجهة نظري بعشر تغريدات تويترية، قلت فيها:

١. أملت ان يتسم خطاب أمير #قطر بالشجاعة في الاعتراف بالأخطاء والابتكار في الحلول والصراحة في تقدير الموقف فخاب ظني. أسجل له تفادي التصعيد.

٢. تعاون #قطر مع #أمريكا بوقف دعم الإرهاب إيجابي، لكنه لايكفينا الأذى علينا موثق ومعترف به ومطلوب الالتزام بعهود الكف عنه.

٣. الحديث عن سيادة #قطر ورفض الإملاءات حق أريد به باطل. والواقع أنها انتهكت سيادة الغير وأملت اجندتها، وجنت بالخريف العربي على بلدانه وشعوبه.

٤. هل كانت #قطر بلا سيادة عندما وقعت اتفاقيات الرياض؟ أما أن السيادة تعني خلف العهود والمواثيق؟ (وأفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا).

٥. أما مناصرة الشعب الفلسطيني بلفتة كلامية فمردود عليه بحضور التعاون مع #إسرائيل وغياب النقد لها ودعم المستوطنات باسم الشعب القطري.

٦. المكابرة والإنكار ضعف. والتجييش العاطفي شعبوي. والطريق الى الحل لايمر بواشنطون وموسكو ولندن وبرلين وروما وأسطنبول وإسلام أباد. بيوت الأهل أقرب.

٧. التمترس بحرية الإعلام حتى في التحريض والإساءة للأهل يناقضه اتهام إعلامنا بالتعدي على #قطر وقيادتها. (أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم). ونلحظ هنا أن قنواتنا نقلت الخطاب حيا على الهواء دون معرفة مسبقة بما سيأتي فيه.

٨. من التناقض أن تصف المقاطعة بالحصار ثم تشكر الدول التي عوضتك، وتشكو ألم المعاناة فيما تؤكد عدم تأثر المواطن والاقتصاد. الخطاب مسجل فلاعذر!

٩. الخطاب السياسي غير الشعبي والرسالة الدولية غير المحلية. ومن صاغ الخطاب حاول تقديم كوكتيل فأفقده مستوى السيادة وروح القيادة ومنطق الساسة.

١٠. لكل رسالة هدف، فإن لم تأت بحل أو تحقق غاية فغيابها أجدى. ولم أجد في خطاب أمير #قطر جديدا ولا مفيدا ولا جدوى. فرصة أخرى تضيع لغياب الرؤية.

أختتم بأن الطريق لم ينته، والأمل لم يتبخر بعد، ولن نسمح له. فوسط هذا الصراع وضحية لهذه التخبطات السياسية شعب عربي عزيز وغال، لم يستشر ولم يشارك ولا ذنب له. نألم لمعاناته ونحرص على إنهائها. لو كان له صوت، (كما يطالب حكامه غيرهم من حكومات العرب بمنحه لشعوبهم)، لحرضناه على رفعه. ولو كان له دور في حكومة تعتمد على الغرباء لناشدناه أن يفعّله. ولو أنه يستشار كما يستشار العرب والعجم لطالبناه بحسن الاستشارة. ولكنه شعب مغيّب في الشأن السياسي، وفي صناعة الإستراتيجيات والتحالفات والعداوات. والمراهنة على دور فاعل له في تغيير دفة الدولة مبالغ فيها. ولعله يأمل منا ويعتمد علينا في فرض الخيارات الصحيحة على قيادته، والدفع باتجاه تسليمه حق المشاركة في إدارة الدولة وصياغة سياساتها. ولعلنا لا نخيب ظنه فينا.

نستمر إذن في المقاطعة والمحاسبة والضغط حتى يتحقق المراد لصالح قطر وشعبها وأسرتها العربية ومجتمعها الدولي. والله المستعان على ما يصفون.

د. خالد محمد باطرفي

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button