لا يخفى على عاقل ان وزارة الصحة تلعب دورا مهما جدا في منظومة الحج من كل عام، ولا نستطيع أن نغفل أن دورها لا يقل أهمية عن وزارة الحج والعمرة نفسها إن لم يَفُقها، فصحة الحجاج والعاملين في الحج من أهم أولويات الوزارة والمملكة، فانتشار أي وباء دون التجهيز والتوقع له لأخذ كافة احتياطات السلامة يكفي لأن يُفشل كافة الجهود المبذولة من بقية الوزارات والقطاعات الأخرى.
في كل عام وحين يقترب موسم الحج تستعد مستشفيات مكة المكرمة والمدينة المنورة وكافة المنشآت التابعة لوزارة الصحة؛ لوضع خطط الحج والحد من المخاطر الصحية والخطط البديلة والاحتياطية والاحترازية سواء للأمراض المعدية أو الموسمية أو لضربات الشمس وزيادة درجات الحرارة وغيرها، وتجرى التجارب الفرضية لأكثر من مرة بالتعاون مع الدفاع المدني والتأكد من جاهزية العاملين في القطاعات الصحية كافة، كما أنها تركز على أهم جانب وهو التحضير لقوافل الحج للمرضى المنومين بالمستشفيات وتجهيز فرق العمل وإعداد الخطط ودراسة العقبات في السنوات الماضية ووضع الحلول والبدائل، وقياس رضا الحجاج المرضى في قوافل الأعوام الماضية، كلها جهود جبارة تستحق الإشادة بها.
في الثلاث سنوات الأخيرة؛ وخصوصا بعد حادثة تدافع منى أولت الوزارة أهمية للحج والعمرة حيث برز حراك الإدارة العامة للخدمات الصحية للحج والعمرة، وتم تفعيل دورها بشكل أكبر لكن مالبث أن اقتصر دور هذه الإدارة على القيام بورش عمل في مكة والمدينة، وجمع معلومات ومقترحات مبتكرة ومبدعة، لكن للأسف لم نلتمسها على أرض الواقع، ولعل تغير الوزراء وخلفية تخصصاتهم غير الطبية لها دور أكبر في عدم الإلمام بأهمية دور الوزارة الفاعل في الحج.
في المقابل نتفاجئ كثيرًا ببعض إدارات الوزارة الأخرى، والتي تتفاجئ بقدوم الحج؛ وكانه آتى بغتة بالرغم أنه الشهر الثاني عشر والأخير من السنة الهجرية، فتقوم بتذكر ماعليها من مهام وتطالب بمهام إضافية بحجة التطوير ، وتفرضها على المستشفيات في وسط الموسم أو حتى أوله وبعضها يصعُب توفيرها بالطريقة التي طلبتها في ذلك الوقت لضيقه ولكبر حجم العمل عليه.
الحج في المنظومة الصحية فعليا هو خمسة عشر يوما حرجة لا تتحمل أي خطأ بشري أو حتى تقني، فالمعلومة الواحدة إن أعطت بشكل خاطئ تُعطي معنًا مختلفا قد توقع بأرواح البشر وهي كارثة أبشع من ذنب، فعلي سبيل المثال إذا وضعتُ صفرا بجانب الواحد لحالة كورونا أو كوليرا فهذا دليل على تضاعف المرض والخوف من انتشاره أواسط الحجاج وخصوصا في أماكن تجمعاتهم في المشاعر أو السكن، على الرغم من أنها معلومة تم إدخالها بالخطأ لكنها تربك الرأي العام الصحي، مايستدعي إلى إعلان حالة الوباء في البلد مما ينذر بخطر على الحجاج كافة والمقيمين والعاملين ويُضيع جهود الدولة كافة.
فالمعلومات والأحصائيات الصحية في الحج يامعالي الوزير لا تقل أهمية عن العمليات الجراحية واستقبال الحالات في التنويم والطوارئ أو العيادات، وسلامة المرضى الحجيج في قوافل الحج ورضاهم عن الخدمات المقدمة لهم، أو حتى نقل الحالات إلى المستشفيات جويا أو أرضيًا بالتعاون مع الهلال الأحمر وغيرها، فالتقارير الختامية لنجاح موسم الحج يعتمد دائما على هذه الجهود المعلوماتية والتقنية، وتحتاج لتحضير مسبق وإعطائها أولوية تليق بالركن الخامس من أركان الإسلام.
ونحن على مشارف الأشهر الحُرم نتمنى أن يكون الحج لهذا العام مختلفًا من حيث رصد الأحداث الصحية عبر مرصد صحي خاص يهتم بهذه الشعيرة، ويولى ضيوف الرحمن أعظم الاهتمام، يستطيع أيضا أصحاب القرار من اتخاذ قرار فوري إن لزم الأمر وتكون هناك إسعافات أولية عبر غرف التحكم ونقل الحالات أو حتى النزول للميدان أو مجابهة للكوارث لا سمح الله بشكل أفضل عن ما تم تقديمه في السنوات الماضية، والاستفادة من كافة الدراسات البحثية بخصوص الحج والحجاج التي تقترح الأساور الإلكترونية والتي تقرأ بشرائح RFID والتي تساعد في تتبع الحالة الصحية للحجاج، وقد يكون تعاون مشترك بين وزارة الصحة ووزارة الداخلية ووزارة الحج والعمرة؛ ليكون مرصدا وطنيا إسلاميا يخدم كافة الجهات المعنية بالحج والجهات العُليا.
حنين سرحان