عندما نسمع أحد يقول هذه العبارة عادة ما نعتقد أنه محبط أو ” زعلان شوية ” ولكن في الحقيقة الاكتئاب ليس مساويا للحزن, الحزن شعور طبيعي يمر به جميع الناس ثم ينتهي لكن الاكتئاب مرض خطير لا يفهم معناه إلا من وقع تحت قبضته.
بداية يكون كسحابة سوداء تحوم حولك , (غُراب) يقف فوق رأسك , تحاول إبعاده عنك بكل قوة ولكنه يظل يطاردك , مترصدا لك ,يستغل أي لحظة ضعف أو يأس تمر بها حتى يخترق عقلك , يوهمك بأنه صديقك بينما هو في الحقيقة وحش كاسر يريد السيطرة عليك.يسرق روحك وطاقتك وحبك للحياة, يصبغ كل شيء أمامك باللون الأسود , يلومك، يجلدك ويعنفك في كل لحظة , يجعلك تنسى كل لحظات السعادة والنجاح والهناء ويذكرك بلحظات الفشل والخيبة والإحباط , يزرع في قلبك الخوف واليأس , يوهمك أنك نكرة بلا قيمة وأن كل مجهوداتك بلا فائدة وأن مستقبلك أسوأ من حاضرك وأن العالم لا يحتاجك ولا أحد يشعر بوجودك.
تجد نفسك مرهقا ومتعبا طوال الوقت بسبب صراعك مع الأفكار المؤلمة التي يبثها في عقلك ,يغادرك النوم و تصبح عازفا عن كل شيء كنت تحبه في يوم ما , تنسى الضحك كيف يكون والسعادة لم يعد لها وهج , يرسم الألم معالمه على وجهك , يسألك المقربون ماذا بك ؟ عندما تخاطر وتقول الحقيقة ينظرون لك باستخفاف واستهزاء ثم يلقون عليك الاتهامات بالضعف وقلة الإرادة والإيمان والبعد عن الله, يذكرونك بالنعم التي تحظى بها وأن الاكتئاب رفاهية!!!
فأنت أفضل من غيرك من الفقراء والمرضى, وأن حالتك ستتحسن إذا أكثرت الصلاة والدعاء والتقرب من الله ويمطرونك بوابل من النصائح حتى تنسى نفسك وآلامك , فتحاول أن تنفذ نصائحهم , تتحسن حالتك النفسية قليلا ولكن بمجرد أن تواجهك أي مشكلة تنزلق الى نفس الهاوية , تحاول المقاومة , ثم تعاود الانزلاق وفي كل مرة تتسع الهاوية وتصبح أتفه كلمة أو أقل مشكلة سببا في انزلاقك ثم تكتشف أن الهاوية ليس لها قاع ,
تتساءل لماذا أنت عاجز عن أن تكون طبيعيا مثل باقي الناس ؟ لماذا لا تستطيع النهوض بعد السقوط ؟
لماذا لا ترى الجمال في الحياة ؟
لابد أن هناك شيئا خاطئا داخلك , ولو عثرت عليه وصلحته ستنصلح حياتك , تشعر بالغباء لأنك لا تستطيع العثور عليه , تكره نفسك وتتمنى لو كنت تمتلك جينات المتفائلين ، تشعر بالوحدة لأن لا أحد يفهم ما تمر به ,تتعلم كيف تبتسم والألم يعتصر كل خلية من جسدك , تتعلم كيف تبكي بدون دموع , تتعلم كيف تتظاهر أنك حي من الخارج وأنت ميت من الداخل , تفقد كل الأشياء لذتها وكل الأهداف معناها وتتبخر كل المشاعر من داخلك يصبح هدفك الوحيد هو التخلص من هذا الألم المقيم .
لنغوص قليلا في روح المكتئب فنجد أنهيميل الى المبالغة في التفسير السلبي لأي شيء يحدث له . يقلل قيمة الأحداث الإيجابية التي تمر عليه والانجازات التي يقوم بها ويقلل من مزاياه , انه يرى نفسه دائما في صورة سلبية
كذلك حبه للتعميم ” كل الرجال خونة “, ” كل النساء أنانيات ” يعتقد أن أي تجربة سيئة ستتكرر دائما ,خوفه من الرفض يجعله يلجأ إلى التعميم، لدى المكتئب قانون (الكل أو لا شيء)، والذي يجعله يرى كل الأشياء إما بيضاء أو سوداء يعجزعن إدراك أن الأمور السيئة ربما تؤدي إلى نتائج طيبة في المستقبل. ولديه فلاتر عقلية تجعله لا يرى سوى الأمور السيئة فإذا مر في يومه بعشر مواقف إيجابية وموقف سلبي واحد فإنه لا يتذكر سوى ذلك الموقف.
يعتقد الدكتور (ديفيد برنز) المتخصص في علاج الاكتئاب أن خاصية التفسير السلبي لما هو ايجابي من أخطر خصائص التفكير وأكثرها تدميرا للذات , للأسف حتى لو حصلوا على ما يريدونه سيظلون مكتئبين بسبب اعتقادهم أنهم لا يستحقون الأشياء الإيجابية فإنهم يحولون كل شيء إلى مصدر للتعاسة. المكتئب لديه ميل إلى اعتبار كل موقف يحدث بمثابة إهانة أو رفض أو جرح للكرامة, فهو يرى العالم بطريقة عدائية مما يدفعه للانسحاب والانزواء أو التصرف بطريقة طائشة أو متهورة تجعله يخسر علاقته بالآخرين.
التفكير الاكتئابي يجعل المرء مقتنعا بأن قراءته السلبية للمستقبل صحيحة وبالتالي فإنه يرفض أن يجادله أحد أو يقنعه بعدم منطقية توقعاته.
لديه شعور دائم بالذنب يدفعه لتحمل مسئولية أشياء ليس له دخل في حدوثها, وتأويله يجعله يتعامل بحساسية مفرطة مع الآخرين .
عندما تجتمع الانماط الفكرية في عقل شخص واحد فإنها تؤدي إلى إصابته بالاكتئاب فهي عادة ما تكون راسخة في الذهن وتعمل بشكل آلي في عقولنا إلا أننا يمكن أن نتخلص منها إذا أردنا
والخطوة الأولى هي الوعي بوجودها , عندما يقع لك حادثا معينا لا تركز على مشاعرك تجاه الحادث بل ركز على الفكرة التي مرت بذهنك والتي جعلتك تفسر ما يحدث حولك بطريقة معينة وبالتالي أدت بك إلى الاحساس بالكآبة. يجب عليك أن تنتبه إلى الأفكار التي تمر بذهنك وأن تقوم بتحليلها , حينئذ ستجد العيوب والمبالغات الموجودة فيها وبعدها تستطيع أن ترد عليها بطريقة منطقية وعقلانية وتستطيع أن تتخلص منها بالتدريج .
تُرى ماالدافع الجوهري لهذا الاحساس ؟ هل ماتفكر به يستحق كل هذا الاكتئاب؟؟
4 Comments