المقالات

الشباب.. الطاقة المتجددة

روى معالي المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السابق في (برنامج من الصفر على قناة mbc بتاريخ 2017-05-28) قصة تدور أحداثها أثناء حرب الخليج ١٩٩٠م، كان أبطالها الشباب السعودي، جنود مجهولون ظهروا في الصورة بدون سابق إنذار. كان معاليه رئيس لشركة أرامكو السعودية آنذاك، حيث ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لطلب الدعم نظرا لفقدانهم بعض الموظفين الأجانب في الشركة بسبب الحرب ولكن لحسن الحظ لم يصل معهم إلى نتيجة، وهنا أقول: رُبَّ ضارة نافعة فقد تم الاستعانة بطلبة المعاهد التابعة لأرامكو من أبناء الوطن لسد الحاجة فتم إنجاز العمل كما كان يراد له في الحقول النفطية وزيادة إنتاج البترول. أخي القارئ أمعن النظر في هذه القصة -على سبيل المثال لا الحصر- لتعرف أن في هذا الوطن شبابا خرجوا إلى الدنيا ومعهم صفات القادة ونشأوا على الجد والهمم العالية.

أثارت هذه القصة في خاطري سؤالا لطالما يراودني، وهو لماذا لا يكون هناك برامج أو مبادرات على مستوى الوطن تهدف إلى تمكين الشباب لنقل الخبرات وتأهيل قادة للمستقبل في جميع القطاعات، برامج حقيقية وعلى أسس مدروسة في إطار مواكبة التطورات المستقبلية، بعيدًا عن الجهود الفردية لبعض الجهات. حيث تؤهلهم هذه البرامج للعمل بالوظائف القيادية في مختلف القطاعات كخطوة استباقية تدل على قوة اتخاذ القرار تحت قيادة أصحاب الشأن في تلك القطاعات أو الشركات والهيئات الحكومية، وتدل أيضًا على الثقة في النفس من القدرة على توجيه الشباب ودعمهم لإنجاحهم في مهمتهم المستقبلية وعلى الثقة في شباب الوطن. حيث يتم إعطائهم جرعات مكثفة ومستمرة من الخبرة والمعرفة الحقيقية في الحياة العملية بإشراف قادة ومستشارين وتدريبهم على القيادة والعمل معهم على تطوير مهاراتهم وقدراتهم للوصول إلى الهدف المنشود منهم وهو الإنجازات على أرض الواقع كُلاً في مجاله، وفق آلية معينة وجدول زمني مكثف من ستة أشهر إلى سنة تتضمن التدريب النظري والعملي والتقييم المستمر.

وهنا يأتي دور القادة الحاليين كما ذكرنا سابقاً في تدريبهم وتوجيههم -وهذا هو الهدف من البرامج- حيث إنهم يفتقرون إلى الخبرة ولكن وفي المقابل يمتلكون المواهب التي تعتبر عملة نادرة كالتخطيط الدقيق والانضباط العالي والذكاء العقلي والاجتماعي وجميعها مهارات ليست بالسهولة التي نتوقعها، بالإضافة إلى كونهم طاقة متجددة شابة قادرة على إضافة أفكار جديدة وقد يكون ذلك أفضل بكثير من الخبرة التي تنقصهم في بداية رحلتهم العملية، والتي في واقع الأمر هي شيء مكتسب يحتاج المرء فقط إلى عامل الزمن لاكتسابها جنبا إلى جنب مع التدريب والتوجيه. وبذلك يصبح هؤلاء القادة الشباب قيمة مضافة ونشاطا ومحركا كبيرا لدفع عجلة الإنجاز والإنتاجية في أي مكان وزمان.

يكفي أن قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك القائد المربي الذي صنع القادة الناجحين أمَّرَ أسامة بن زيد رضي الله عنه على جيش المسلمين لقتال الروم وكان عمره لا يتجاوز ١٨ عامًا وجميعنا يعلم قوة الروم في ذلك الوقت، هل يوجد أكبر من هذه الثقة؟ وفي عصرنا الحديث سطر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه- أعظم نموذجا بتعيين أمراء شباب في مناصب قيادية ومفصلية بالرغم من كبر المسؤوليات وصعوبة المرحلة ابتداءً من سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود -حفظه الله ورعاه- عندما تسلم مقاليد وزارة الدفاع السعودية والملف الاقتصادي في الوطن ومن ثم الثقة الغالية لسموه بتوليه ولاية العهد، وصولاً إلى تنصيب أمراء شباب وزراء وسفراء ونواب إمارات. هل يوجد أكثر من ذلك إثبات جدارة وتزكية لشباب الوطن؟

في الختام الوطن أجدر أن يستفيد من شبابه قبل أن تستفيد منهم دول أخرى؛ لأننا أصبحنا نشهد تعيين شباب سعوديين في مناصب عليا وهامة في بعض الجامعات والمستشفيات ومراكز الأبحاث في أمريكا وبريطانيا. كم من المخترعين والنوابغ والباحثين الذين برزوا في الهندسة والطب والعلوم حصلوا على فرص قيادية خارجية؟ أليس وطنهم الذي ترعرعوا ونشأوا فيه أولى بهم؟ من المحزن أن نرى بعض العقول والمقدرات البشرية تبقى في الخارج ولا تعود بعد أن استثمر الوطن فيهم الملايين في برامج الابتعاث، حيث يتم جذبهم بالعَزف على وتر الطموح ووتر الحوافز المعنوية والمالية لهم ولمستقبل أبنائهم.

م. عامر حسنين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى