ما كان بيننا من أحد يصدق أنه سيمرض يوما، ذلك العتلّ الظالم الذي أحرق بيتا بكل من فيه قبل أن يتخصص في حرق القلوب، أحرق البيت قبل أن يكون هناك شرطة، لما جاءت الشرطة كان يسلب الناس تحت تهديد النصب والاحتيال وعينين تخرج منهما نار الشر المستطير، فكيف يمرض هذا؟
في بداية مرضه كنا نذهب لزيارته، كان يبدو مستخفا بنا وبالمرض معا، ننسج له التعابير في غاية الفصاحة فتخرج من أفواهنا مرتبكة، نجد حرفا وتضيع بقية الحروف بين أسناننا، بطيئة كأنما تقطع الكلمات أرضا موحلة قبل أن تصل إليه، ولم يكن يرحم ضعفنا أو يغض بصرا عن خَوَرٍ يعرفه فينا.
مضى الشهر على مرضه، تغيرت الحالة قليلا، منعوا عنا زيارته ولم يفتحوا بابا إلا لحبيب مقرّب، مضى العام، ساءت الحالة كثيرا، أغلقوا باب الزيارة على العالمين كافة، ولم يعد يدخل عليه أحد، ولمغامرة لا تُنسى جمعت بيني وبين ابنه الأكبر فقد أذن لي بالزيارة، اخْترقتُ كل تلك الأسوار وقمت بزيارته.
أخذني إلى غرفة في أقصى الدار، فتح بابها فدخل ودخلت، السرير على اليمين مباشرة، سار نحوه وسرت، وقف بجواره ووقفت، رفع عنه الغطاء فأسندت يداي على حافة السرير وبكيت، كان بكائي يتكسر داخل صدري ودموعي تنهمر، وكنت أراه من بين الدموع رجلا ينظر ويتنفس، لا يزيد طوله عن السنتيمترات العشرة.
(من قصص مجموعة ثديها الذي 2017م)