سألني بعض الصحفيين والمراقبين الأجانب، هل نحن قلقون جدا من دعوات الاحتجاجات في 15 سبتمبر؟ قلت لهم: لن يقلق من يعرف بلده وشعبه جيدا. فقد سبق هذه الدعوة كثير مثلها، وأنتهت جميعا إلى لاشيء!
“إذن لماذا هذا الإهتمام الكبير في الإعلام وعلى منصات التواصل الإجتماعي بدعوة تعلمون أنها فاشلة؟”، يأتي التساؤل. أجيب: معظم الجدل تركز حول من وراء هذه الحركة، وأسبابها، والأساليب المتبعة لإدارة الحملة الإعلامية والإلكترونية، والطابور الخامس بيننا.
معظم السعوديين والخليجيين يوقنون أن وراء الحركة منشقين في الخارج تدعمهم قطر، وربما بعض الموالين لهم في الداخل، وتديرها خلايا الكترونية وقنوات ووسائل إعلام قطرية، وإن تسمى بعض أصحاب الحسابات بأسماء خليجية وسعودية. واكثر العاملين في الحملة من غير أبناء الخليج المقيمين في قطر وتركيا وأوروبا.
وقطر كانت من أبرز الدول التي دعمت ووجهت أعاصير مايسمى ب”الربيع العربي” وسخرت مقدراتها المادية وعلاقاتها الدولية ومع جماعات الإسلام السياسي لتنفيذ أجندة التغيير الأمريكية في المنطقة، وتحقيق ماسمي ب”الفوضى الخلاقة”. فقد تعاونت إيران وحكومة الحمدين وجماعة الإخوان المسلمين مع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، لتحريك الشارع العربي وقلب أنظمة الحكم، وتمكين هذه الجماعة من السيطرة على البلدان العربية من الخليج إلى المحيط.
بداية المشروع ”الديمقراطي“ الأمريكي بدأت في الدوحة بإنشاء أكاديمية التغيير وإقامة ملتقى النهضة، التي تديره “الجماعة” بالإشتراك مع شباب من مختلف التيارات الفكرية خاصة في مصر، كحركة كفاية و6 ابريل. وخلال سنوات تم تدريبهم على أسلوب التحريض والدعوة للتظاهر ومواجهة قوات مكافحة الشغب بإستخدام نفس الإستراتيجيات والمناهج التي تم من خلالها تدريب المعارضين في أوكرانيا وصربيا.
وقد نجحت هذه الاستراتيجيات في الإطاحة بحكومات عربية مستقرة مثل مصر وتونس، وزعزعة أمن دول أخرى كالبحرين واليمن، التي لولا فضل الله وتدخل قوات درع الجزيرة والتحالف العربي لإستعادة الشرعية لأصبحت اليوم محافظات إيرانية. ولولا قيادة السعودية لموقف عربي ضد الهيمنة الإسلاموية في مصر وشمال أفريقيا، لكانت هذه الدول جميعا تقاد اليوم من أنقرة والدوحة.
ورغم فشل مشروع الخلافة في المنطقة، وإستراتيجية التغيير الإنقلابي، والكوارث التي تسببت فيها، إلا أن أمير المؤمنين في الدوحة لم ييأس بعد، ولا زال يأمل في مواصلة المسيرة بدعم من مليشيات الإرهاب والإسلامي السياسي بغطاء سياسي وعسكري من إدارة أوباما وإيران وتركيا.
وهنا يأتي دور الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، في قلب الطاولة. فإدارته وضعت على رأس أولوياتها القضاء على الإرهاب، من خلال التصدي لرعاته، وبدعم الحلفاء التقليدين في المنطقة العربية، كالسعودية ومصر والإمارات والأردن.
وهكذا وجدت حكومة قطر نفسها، لأول مرة، وحيدة في مهب رياح التغيير. وبدأت هي وإيران تواجهان مطالب التغيير داخل بلدانها، وتهربان إلى الأمام بإختلاق أزمات مع دول المنطقة، وإستغلال حتى الشأن المقدس، كالحج، لتأليب شعوبها على السعودية.
على أن وصول الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، الوريث الشرعي لعرش قطر، الى المشهد قلب الطاولة من جديد. فقد أ ستطاع بمكانته الرفيعة لدى القيادة السعودية، وعلاقاته المميزة مع الملك سلمان وولي عهد الأمير محمد بن سلمان تلبية أحتياجات الشعب القطري وتيسير سفره وحجه وعمرته ومصالحه في المملكة. كما تمكن بوقار وسمو ونبل من كسب القلوب ومنح الشعب القطري العزيز وشعوب المنطقة أملا مشرقا في حل مشكلة التغريد القطري خارج السرب.
وبالفعل، تلى هذا الحضور الرفيع، بيان الدعوة لمؤتمر يجمع أهل الحل والعقد في قطر، لمناقشة الأوضاع الحالية وكيفية الخروج من المأزق الذي ورطهم فيه النظام الحالي، وأيد هذا البيان مؤتمر المعارضة القطرية في لندن، وعدد من كبار أسرة آل ثاني ومشايخ القبائل والوجهاء.
كل هذه القضايا كانت مادة النقاش الإعلامي في السعودية في الأيام التي سبقت 15 سبتمبر، وبعده. ووجدها السعوديون فرصة للتعبير عن وطنيتهم ورفضهم للتدخلات والمؤامرات الخارجية على وحدتهم وأمنهم، حتى أصبحت المناسبة يوما وطنيا يسبق اليوم الوطني في 23 سبتمبر للإحتفال والتعبير عن الولاء لقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمين.
إذا كان المحور الإيراني – القطري يراهن على زرع الانقسام بين السعوديين، فقد شهد على وحدتهم، وإذا كان الهدف تصدير مشكلات دول محور الشر مع شعوبها، فقد عادت الكرة الى ملعبهم، وبقوة. والقادم سيكون أقسى، عندما يذوقوا من الكأس الذي طالما أذاقوه للآخرين. لقد أكتفى العالم منهم، وشعوبهم تستحق قيادات افضل وأعقل، ومستقبل أعظم وأجمل. اللهم حقق لهم المراد.